للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه المدارس لا تتطلب من تلامذتها بالخوف ولا بالقصاص. فإن التأثير الروحي الناشئ من الشخص المربي الحري بكل تجلة والانقياد للطبيعة أو للعقل وتأثير نوع الحياة والعمل المطلوب هي وحدها حرية بتربية أخلاق حرة.

وعلى ذلك يسمح للتلميذ أن يجري مع ميوله ويقوم بما يزيد في نشاطه عَلَى عمله ولا تطلبه المدرسة إلا بما لا غنية عنه بتربيته الطبيعية والعقلية فتعلمه بالقدوة وبما يسود فيها من الأفكار العامة إلى أن يدرك ماهية الواجب بحيث يتضح له بأن نجاحه هو نتيجة لازمة لنظام منطبق عَلَى العقل.

أما العقوبات فيستغنى عنها في هذه المدرسة لأن المربي يتنزل إلى تقريب مناهجه من عقل التلميذ ويعامله عَلَى نصاب العدل وإذا اختلت هذه الشروط تصبح الحاجة ماسة إلى العقوبات وعلى التلميذ من ثم أن يتعاطى عمله بابتهاج وهذه هي الطبقة من التلامذة التي تتوخى المدرسة تنشئتها والقيام عليها ولا تطلب منهم الكمال بل تريدهم عَلَى أن يرتقوا تدريجياً متناسباً مع قواهم واستعدادهم. وإذا لم يكف ذكاء التلميذ وإرادته للتوقي من الأغلاط أو لسد مواضع الخلل من تربيته فإن المدرسة تنشطه وتصبر عليه في جهاده عَلَى أنها لا تكلفه ما لا طاقة له به.

ويعامل كل تلميذ بالاحترام اللائق بشخصه فإن المربي الحقيقي هو الذي يكتشف في كل تلميذ حتى في المقصرين منهم في المدارك ما هو جدير بالاحترام وقابل للتكمل فإذا تم ذلك فالحياة المدرسية تنقضي في دعة نافعة ونفع شامل.

وإذا مست الحاجة إلى إنزال القصاص بالتلميذ فلا يكون إلا عَلَى أقل درجاته فمن أساء استعمال حريته تحجز عليه ومن تراخى في درسه يغيرون له الأسلوب في الإلقاء والمراقبة وطريقة تنشيطه وهكذا تجتهد المدرسة أن تحمل الولد عَلَى الاعتراف بخطائه وتأخذ بيده كل الأخذ لتوقد في نفسه جذوة العمل الصالح. ويحرمون العقوبات البدنية والقصاص الخارجي التي ليس لها علاقة داخلية مع الخطأ الذي ارتكبه كما لا يعمدون إلى مكافأة المحسن من التلامذة بمكافآت مادية. لا جرم أن أعظم العقوبات التي تشاهد في تربية مدارس المدن ناشئة من الخروج عن سنة الفطرة وهذا ساقط من ذاته في مدرستنا بالنظر لموقعها من الخلاء ولطرز معيشتنا.