للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمة تستمع للحكواتي (الأدباتي) في محال القهوة وتنصت لقصص ألف ليلة وليلة وقصة عنتر وتتفهمها كلها على بلاغتها بفطرة فيها وشعور طبيعي.

ومهما يقال فإن التمثيل باللغة العربية الأدبية يفهمه العامة ولئن فاتهم فهم بعض أبياتها فعامة باريز ليسوا في مسارحهم أكثر فهماً لما يتلى عليهم من قصائد كورنيل ومولير.

واللغة العربية ليست كما يقال لغة صناعية أجنبية وليست غريبة إلا عن كثير من الطلبة الهنود والمراكشيين وغيرهم ممن يقصدون من البادية جامع الزيتونة في تونس والأزهر في مصر ليتعلموها بل هي لغة حية لمن يدرسها ويتعلم بها بذوق مثل كتاب الشام ومصر الذين يتولون الصحافة وينشرون المعارف البشرية بواسطة الصحف والكتب بل هي حية أيضاً بالنسبة إلى أولئك الذين تراهم في محال القهوة العامة يهتزون لما يسمعون من أناشيد الغزل ووقائع الحروب على أن اللغة الإفرنسية أيضاً هي أحق بأن تكون لغة صناعية أجنبية إذا رأينا كيف يتوارى شبان الطلبة من قرى أقاليم البروفانس وبرتانيا وغاسكونيا (فرنسا) عن الأنظار ساعات اللعب في المدارس يتكلمون بلهجتهم الخاصة بهم.

فإن قيل أن اللغة العربية تحتاج إلى عشر سنين لتعلم نحوها قلنا أن الشرقيين يتعلمونها في أقل من هذه المدة ويتقنون معها عدة لغات أجنبية فعلينا أن نعقد أملنا بإصلاح طرق التعليم في المدارس الإسلامية على الأسلوب الحديث وذلك بأن يحصل الطلبة لغتهم في قليل من الزمن فاللغة يجب أن تكون آلة لا غاية.

وقال المسيو نويل أن حاجة العربية ماسة إلى أن تستمد من اللغة العامية لتحيا أما أنا فأقول بأن أعظم نقص في اللغة العربية أن تكون غنية وهي لا حاجة بها إلى الأخذ من العامية في حين تجد لديها ٢١ لفظاً مختلفاً للدلالة على الظلام و٥٢ للشمس و١٠٠ للخمر و٢٥٥ للناقة و٣٥٠ للأسد. وقد أصيبت اللغة الإفرنسية بكثرة مفرداتها على عهد رونسارد فما قدح ذلك فيها بل عد من الزيادات التي تحذف. فالعربية لا تشبه اللغات الأوربية بل هي بالنسبة إلى الإفرنسية كالمرأة الباريزية الممشوقة القوام الجميلة الهندام مع المرأة السمينة الشرقية التي تحرص على هندامها القديم وهي حية جميلة قوية. نعم إن عنى العربية بمفرداتها يضر بمرونتها وسرعة فهمها ولكن الفتى الحار لا يكثر منها كثيراً في عروقه فإنا نجد كتاب هذا العهد يسقطون عدداً كبيراً من المترادفات وينشقونها الروح الغربية فهم