للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والطيش.

من الحكمة أن يدعو القائم بالإصلاح إلى قومية أو وطنية ولكن بدون أن يزدري مدنية الأمم الأخرى الناهضة ويعمل على الحط منها وهم الذين بها وطدوا دعائم استقلالهم ورفعوا منار مجدهم وسؤددهم.

وما أدري كيف تقوم لنا نحن معشر المشارقة قائمة إذا اقتصرنا على ما ورثناه من المناحي والمنازع وأقبلنا على الأخذ بما أبقاه لنا آباؤنا الأولون من الآثار فقط بدون أن نمعن النظر في آداب رجال الغرب وأخلاقهم وعاداتهم وتاريخهم وبالجملة نقف على سر تقدمهم ولا أعلم لأي غرض نعنى بإرسال البعثات العلمية إلى البلاد الأوربية وننادي على رؤوس الأشهاد أن هذا هو الذي يحقق لنا الأمل في المستقبل إذا لم يكن المقصد منه درس تاريخ نابليون وولنجتون وواشنطون ونيلسون وبلوخر ووقائع واترلو وترافلغار وأوسترليتنز والسبعين أو لننهل حتى نروى من آداب روسو وباكون وزولا وألفريد دوموسه أو لنتبطن أسرار فلسفة ديكارت ونيوتن وسبنسر غيرهم.

ويجب ألا يغرب على الأذهان أن ما توفر لقواد المغاربة من الأسباب والوسائل في بيئتهم وبين بني جنسهم وما كان يجول في خواطرهم من الأماني التي كانت المص الح تدفعها للانبعاث إلى حيز الوجود غير ما توفر لقواد المشارقة من العرب وغيرهم على اقتحام غمرات الردى في سبيل الدفاع عن الحمى وهذا ما يدعو لاختلال التوازن في الدهاء السياسي في الفريقين بما يتذرع به من الحيل الحربية والدسائس في مثل هذه الأحوال للنظر في كتاب الغيب وقراءة مستقبل الأمم فيه مما ينجم عنه ما نراه من الاختلاف في نتائج الحروب والمعارك نصراً كان أو خذلاناً.

وساء صحت نظرية من زعموا أن من دواعي سقوط الدولة العربية جهل الأمة بتاريخ اليونان والرومان أو لم تصح فإن فيها حقيقة لا أخالها تخفى على مثل الأستاذ المنفلوطي. وإذا اتخذنا هذه النظرية أصلاً جاز لنا أن نبشر مساعينا بالإخفاق والحبوط ونحكم على حياتنا الاجتماعية والسياسية بالانحلال والاختلال في مستقبل الأيام إذا قادنا الجهل أن نحرم على أنفسنا الوقوف على سر استبحار عمرانهم وانبساط ظلال مدنيتهم في طول البلاد وعرضها فنحرم من الاستمتاع بعلومهم وآدابهم.