للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تعليم اللغات]

إن تعليم اللغات على الطريقة التي جرى عليها الغربيون واقتبسها المشارقة قد تكون نظرية أكثر مما هي عملية فيطول أمرها ويصعب تناولها. ولطالما رأينا من يترجم أشعار شكسبير الإنكليزي أو بوالو الفرنسي وإذا رمته الأقدار في شوارع لندن أو باريس لا يطاوعه لسانه أن يلفظ كلمات يهتدي بها لوجه طريقه. ذلك لأن الطريقة في تعلمه تلك اللغة الأجنبية هي عين الطريقة التي يستخدمها الأوربيون في تعليم الصم والبكم بل عين النهج الذي ينهجه المغاربة في تعليم إحدى اللغات الميتة من لاتينية ويونانية أو إحدى اللغات الحية من إنكليزية وفرنسية وإيطالية وغيرها.

إذ يكون تدريس النحو والصرف والترجمة من الكتب هو العدة في إتقان اللغات ويسهل على المعلم أن يدرس تلميذه على هذا النحو وربما أخذ في تعليمه لغة وهو لا يحسن أن يؤلف بين جملتين صحيحتين في تلك اللغة التي عهد إليه تدريسها ولم يجود التلفظ بها فكان شغله الشاغل تعليم تلامذته أصول التصريف والإعراب والترجمة على حين قد ثبت أن الدارس قد يستظهر قواعد لغة وقوانينها ولا يبرع في اللغة نفسها. وأسقم المذاهب في تعلم لغة أن يتكلم المرء بلغته في خلال تعلمه لغة غيرها.

من أجل هذا قضت الحال أن تكون دراسة قواعد الإعراب والتصريف بعد معرفة اللغة معرفة عملية لا نظرية ولا تفيد الترجمة والنقل إلا إذا توفرت للطالب بادئ بدء معرفة الأساليب في اللغة الغريبة. فعلى من رام أن يتكلم لغة ويكتب فيها أن يفكر في تلك اللغة ويكون شعوره شعور أهلها فيها لا أن يصيغ تراجم وينقل جملاً. فتستدعي الأفكار والانفعالات للحال ما يحتاج إليه الطالب من الألفاظ التي يعبر بها عنها فتصير اللغة التي يتعلمها لغة ثانية له ولا تكون الترجمة من لغته أو إليها إذا دعت الحال حرفاً بحرف بل على طريقة تنقل بها الصورة إلى التعبير عنها. وقلما يسمع المتعلم في معظم المدارس اليوم صدى اللغة التي يتعلمها ويقتضي له أن يربي عليها أذنه وذاكرته ما أمكن. وما أشبه المدرس وهو يشرح للدارس دروسه بلغته الأصلية الابام تود أن تعلم طفلها وهوالكن تمام قواعد الفعل الماضي وتصريف الأفعال الشاذة بدلاً من أن تعنى بتعليمه أن يحسن تلفظ الكلمات الأولى التي يحاول لفظها.

وما فتئ تعلم اللغات يختلف باختلاف الاجتهاد في كل قوم ومعظمه دائر في الغرب منذ