للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ى أن يكون كما قال روسكين أكثر خجلاً إذا لم يحسن الغناء مما إذا كان لا يعرف القراءة والكتابة لأنه من الممكن كل الإمكان أن يعيش المرء عيشة سعيدة ظريفة بدون كتب ولا حبر ولكن قلما يتأتى أن لا تميل النفس إلى الغناء إذا كان في يوم سعده. ولقد رأى اليونان هذا الرأي فكانوا يزعمون بأن تعليم الطفل الغناء يمدونه طول حياته بزاد ثمين من الحكمة والسرور دع عنك أن الغناء بالاشتراك مع الأصحاب هو آكد الطرق إلى تعلم التضامن. ثمك أنه من النافع تعويد الطفل أن يرسم بقلم الرصاص أو المنقش الأشكال والألوان الطبيعية فيتعلم بها الممارسة اللازمة للصناعات النفيسة ويعتاد النظام والتدقيق الذي يقود عواطفه بالطبع إلى التنسيق والذوق فإذا ربى الحس على هذا الطرز يستعد للتخلق بالفضائل بتقوية الإرادة وبدونها لا يتأتى قيام شيءٍ في عالم الفضيلة لأن الإرادة لا توجد الميول والرغائب تتخير منها وهذا الميل ناشئٌ مثل كثير من الميول عن الحس الذي يعمل كل العمل فمن اللازم اللازب تقوية ميول الطفل الحسنة بتثقيف إرادته بدون أن يشعر.

القدوة هي المربية في هذا الباب فهي تسلط على الرجال فما أجدرها أن تكون كذلك للأولاد يسيرون في أعمالهم بسيرتها وينهجون على الدهر نهجها فقد ذكروا أن فتاة أخذت في الشهر الخامس عشر من عمرها تقلد أباها في تقطيب حاجبه وتعتاد عادته في الغضب ولهجته في رفع صوته ثم تعلمت ألفاه في قلة الصبر والغضب وهكذا أصبحت تردد أفعال أبيها كلها بعد السنة الثالثة. وقانون القدوة الذي هو عمل من أعمال الاقتداء والمحيط يعمل عمله في الحس كما يعمل في الذكاء فقد قال مونتسكيو: من العادة أن يعلم الأب أولاده ما يعلم كما أن من العادة أن يورثهم شهواته. .

ولذا كان على الوالدين أن يراقبوا أنفسهم في كل ما يصدر عنهما بين أسرتهما وأمام أولادهما ويبتعدا عن كل ما شأنه أن يحدث في الولد تأثيراً سيئاً فيلا الأفعال والأقوال ونرى الناس لا يبالون أن يأتوا أمام الطفل ما يفسد أفعاله ومقاله ويعلمه الفاسد كلها قبل أن يعرف ماهيتها. فالغضب وكلمات الكبر والعجب واللذات الشهوانية والوقيعة والكذب تعرض كل يوم أمام عيني الطفل وأذنيه فتشوه حسه وتفسد نفسه ويعتذر الأبوان بأن ابنهما لا يأتيان أمامه وهو يدرك العيوب التي تتمثل أمامه على هذه الصورة ويتوهم بأن الواجب يقضي بذلك ويوشك أن يسوء نظره على الدهر.