للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن منحتهم بعض الفضائل التي تتطلبها الحروب وجعلتهم شجعاناً مفاخرين. والفارس التام الأدوات الذي يتغنى الشعراء بمديحه ويحاول كل إنسان تقليده هو الشجاع أو صاحب الأمانة والتدبر. وكانوا إذا سلحوا فارساً يقولون له: كن شجاعاً. والشجاع عندهم هو المقدام المفاخر الصادق الذي لا يتلكأ بتة ولا يرجع عن قوله ولا يحتمل أبداً إهانة. فالشجاعة والصدق كانت ودامت الصفات الرئيسية في الشرف. والشجاعة معتبرة لا من حيث الخدم التي تؤديها بل لأنهم كانوا يرونها جميلة في ذاتها والفارس قد يقتل نفسه حتى عَلَى غير جدوى لئلا يخالج أحداً شك بأنه أوجس خيفة. والموت خير من أن يدعى الرجل نذلاً كما جاء في قصيدة قديمة. وعلى الفارس أن يكون صادقاً براً بوعده وقوله ويفتضح خاصة إذا خان يمين الإخلاص الذي يقسمه لسيده ويكون كاذباً في إيمانه خائناً في فروسيته ومن العادة في برشلونة أن من لطم سيده بيده أو طعنه بلسانه أو استباح قصره واستصفاه هو من أعظم من ارتكبوا أعظم الخيانات. يفهم ذلك من روح عدة قصائد نظمت في القرون الوسطى. فقد اضطر روندي منتوبان أن يعلن الحرب عَلَى سيده شارلمان فحاذر أن يؤذيه أقل إيذاء ولما أسر وقع عَلَى رجليه طالباً الصفح عنه. ولقد نال برنيه تابع روال دي كامبري ما جلب عليه العار من سيده فسأله سائر الفرسان كيف يستطيع أن يظل عَلَى خدمته فأجاب: إن راولا هو سيدي هو أكثر خيانة من جودا ولكنه سيدي فقالوا لهم أجمعون إنك محق يا برنيه.

الشرف - يفاخر الفارس أنه شريف وجندي ويعرف لنفسه فضائلها فلا يشك فيه أحد بل ولا يلاحظ ذلك. وليس عَلَى أحد أن يضربه أو يهينه أو يعاكسه لأن ذلك مما يؤدي إلى أنه متهم بأمانته وهو أيضاً لا يتحمل ضربة ولا إهانة ولا تكذيباً ويثلم شرفه في إظار الفرسان وفي نظر نفسه إذا لم ينتقم لذاته ممن رماه بالعار والشنار. وهذا الشعور هو الشرف وهو نتيجة كبرياء أو إعجاب شديدين فهو ينزل نفسه منزلة رفيعة ويشعر بالحاجة بأنه يريد أن يشركه غيره بهذا الفكر. ولم يكن لليونان وللرومان لفظ للتعبير عن هذه الصفة بل إنها أنشأت في القرون الوسطى وستظل إلى أيامنا دليل عَلَى الشرف الحقيقي. فنقطة الشرف والرغبة في بقاء الشرف سالماً يصبح قاعدة سلوك الأشراف ومنقذاً لمكانتهم.

حكومة الإقطاعات