للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علي باشا في هذا القطر يسهلان السبل لهذه العلوم ويعد أن أهلها في مصاف العلماء وأنشئت المدارس لتعليمها وغدا المشتغلون بالعلوم الدنيوية حزباً والمتوفرون على تعليم العلوم الدينية حزباً آخر على أنه لم تحمد عودة تلك العلوم الدنيوية التي سماها بعضهم عصرية وبعضهم دعاها حديثة لما نتج عنها من حركة كانت أشبه برد فعل ماثلت الأمة معها صائماً أخذ منه الجوع فلم يجد ما يطعمه حتى ساقته الأقدار إلى مائدة مترف موسر وقد حوت ما طاب وحلا من صنوف الأطعمة والحلواء فأخذ يلتهم ما وصلت يده إليه بدون ترو ويزدرده بلا مضغ ويمزج بارده بحاره وحلوه بحامضه ويؤخر ما يقتضي تقديمه ويقدم ما يحسن تأخيره. ونشأت ناشئة لم تدر من العلم الحقيقي غير قشوره شربت مصة من مورده ظنتها غاية ما يرتوي به المرتوون وراحت تعد المروق غاية النور والإزراء على النبوات من آيات الحكماء والطعن بالشرائع من عمل الجهابذة النحارير وإنكار القديم مهما كان نفعه والتعلق بالحديث مهما ضؤل قائله من دواعي النهوض والاستنارة. وعلى الجملة ينبذون كل ما ليس لهم به علم من تراث أجدادهم حاسبين الصحيح منه والسقيم في مقام واحد مما حكين ولو بان لهم الراجح من المرجوح.

يقول فتية اليوم أنه لا نجاح للأمة إلا بنبذ ذاك القديم مباشرة والأخذ بهذا الحديث على علاته وفاتهم أن ما يسوغ في الغرب لا يتم في الشرق وأن لكل أمة طبيعة ومنازع لا مناص من مراعاتها وأن إقامة مدينة جديدة في بادية أسهل من إصلاح مدينة قديمة لا غنية عن البناء فيها وأن من العقل أن لا ينبذ ذاك القديم بل يرجع فيه إلى الأصل القليل ويؤخذ النافع منه ويترك ما عدا ذلك من تخريف المخرفين وضلالات المبتدعين والأخذ من هذا الحديث بالعلم الصحيح الذي تمس إليه الحاجة وإطلاق الحكم للعقل يعمل معمله في طريقه.

العلم الصحيح هو الذي يبعث صاحبه على عمل النافع ولو كان في ذلك ضياع مصلحته الشخصية فلا يبالي حامله بغضب الرؤساء والزعماء ولا يستغويه رضى الغوغاء والدهماء. يتجشم المخاطر في نشر خاطر. ويركب كل صعب وذلول لإنارة مظلمات العقول.

العلم الصحيح هو الذي خلص من ضغط الأهواء السياسية والمذهبية وسلم من التأثيرات والغايات فلقنه صاحبه بريئاً من شوائب النزعات والنزغات وأثر في نفسه تأثيراً مجرداً