للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تحب فرنسا أبناءها.

ماذا يجب أن تكون عليه عواطف تلك الأوطان وسلوكها بعضها مع بعض؟ هذه مسألة هي الآن مما يشغل الأذهان ويهيجها وتنقسم في تصورها الأفكار. فقد كان الشعور الذي تشعر به كل منها مدة قرون هو البغض والسلوك الذي تسلكه هو الالتجاء إلى الحرب. والظاهر أنه لم يكن يتأتى للمرء أن يحب وطنه بدون أن يكره وطن غيره.

وظاهر أن الحرب لم يكن يتيسر اتقاؤها في زمان كانت فيه التخوم غير مستقيمة عَلَى حال واحدة بين الممالك لأن هذه لم تكن بعد تألفت وعرفت لها كياناً. ولطالما كانت الحرب حادثاً يدعو إلى نماء الوطن وعملاً يؤدي إلى تحديد تخومها. وهكذا ربيت فينا غريزة الشدة المغروسة فكانت من موجبات بقاء تلك الممالك وذلك لأن الإنسانية ليست طبيعية في الناس وأصبحت الحرب من وظائف الحكومة فيولد الملوك زعماء حرب والناس ضباطهم ومن كان أدنى طبقة منهم يختارون الدخول في الحرب ليرزقوا منها ويحترفوا بها.

ولطالما كانت الجيوش تقف عَلَى قدم الدفاع أبداً وتنشب الحرب لاستخدام تلك الجيوش وتمرينها. وتتجلى أعوام السلام كأنها أعوام فارغة عَلَى أن تلك الأعوام الخالية كانت قليلة. ومن جملة الدواعي التي تدعو المحاربين إلى إهراق الدماء قديماً كنت ترى المصلحة السياسية والكبر والتشهي والعادة هي الفاعل الأكبر فيها. وكان ذلك من الأدوار الهائلة في تاريخ الإنسانية ونحن نعده اليوم من آثار البربرية وعلائم التوحش.

وخطب المشار إليه في إحدى المدارس وقال:

إذا سئلتم لماذا يدرس لكم أساتذتكم النحو والحساب تجيبون للحال: ليعلمونا التكلم والحساب وهما أمران ظاهرة ضرورتهما. وإذا سئلتم لماذا يعلموكم تقويم البلدان تبادرون بالجوب في الحال فتقولون حتى نعرف فرنسا بلادنا ونتصور الأرض التي هي بلاد البشر. ولكن ربما ارتبكتم إذا سئلتم فائدة دراسة التاريخ.

ابن الربعين في السنة التي أنتم فيها يبدو كأنه شيخ هرم منذ مائة سنة أو مائتين أو ثلثمائة أو أكثر. ولا شك أنكم تنكرونه ولا علاقة لكم بهم وإذا كانوا هم آمنين مطمئنين في موتهم فعليهم أن يتركوا صغار الأحياء آمنين بدلاً من أن يملؤوا دروس أسمائهم وقائمة أسمائهم بحركاتهم وسكناتهم وبأرقام تواريخهم وأزمانهم.