للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وطابق بين ماضيها وحاضرها فإذا تكلم في تاريخنا صدر عن علم نظري وعملي. ولقد ذهب منذ ست سنين إلى بلاد الشام ليرى بعينه المكان الذي كانت فيه الوقعة الفاصلة بين العرب والروم في اليرموك. وهذا قلما يتيسر إلا لمن أوتي همة شماء واستسهل ركوب كل صعب في سبيل تحقيق رغائبه.

ومازال منذ بدء في التأليف وهو يدأب وراء منضدته في مكتبته كأنه عامل بسيط فإنه يبدأ في عمله كل يوم الساعة الخامسة صباحا ولا يزال أكثر النهار يعمل ويطالع لا تعرو همته ملل ولا ينظر في سفساف الأمور. ولقد كان نائبا في الانتخاب الماضي في مجلس النواب فأضاع في النيابة شيئا من وقته ولكن لم ينتخب هذه المرة فكان ذلك من حظ العلم والآداب لأنه توفر بجملته على خدمتهما.

وعدم انتخابه ناشئ من أن خصومه السياسيين اتخذوا من خطة الأمير في مسألة فتح ايطاليا لطرابلس وبرقة حجة أثاروا الرأي العام حتى لا يعودوا لانتخابه وذلك أن الأمير أحب أن يتكلم بلسان العالم المنصف ولم يعقه حبه لامته عن أن يقول لها وقت قامت حكومته لفتح تلك البلاد أن هذا العمل منها ضرب من ضروب اللصوصية لا يليق بأمة متمدنة وليس له مسوغ معقول قال هذا بالتلميح في المجلس وكتبه في الصحف الايطالية وغيرها بالتصريح فحنق عليه من حنق وأثاروا الخواطر من جهته وقد بذل مالا كثيرا للنيابة عن أمته قيل أنه عشرون ألف ليرة ولكن خصمه بذل خمسة وثلاثين ألف ليرة ففاز عليه.

والأمير على ما رزق من الشهرة العلمية لجمعه بين المجد التالد والطارف رقيق الحاشية يغلب عليه عدم التكلف ولما قابلته لأول مرة حاملا إليه من صديقه أحمد زكي باشا العالم المصري كتاب توصيه ليقبلني للبحث في مكتبته اعتذر عن كونه قابلني بثياب عمله وقال أن عنده شيئا من المخطوطات العربية أخذت بالتصوير الشمسي ولا يدري إن كان فيها حاجتي على انه تفضل ودلني على مظانها وما برح اليوم بعد الأخر يشير علي بالرجوع إلى كتاب كذا فقيه وهو يبش ويقول في الأحايين انه مسرور لعثوري على شذرات تهمني كل هذا وهو لا يضيع دقيقة من وقته الثمين ناهيك بارتفاع الصحف والمجلات ومنشؤها مثلا.