للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع عادتك في الرد على أمثاله فقال: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله ولو وافقته وبينت له لنظر في كتبه وصار بذلك إنساناً يا أبا القاسم فكتب الجاحظ تعلم العقل أولاً والأدب ثانياً ولم استصلحه لذلك.

نعم إن كتب الجاحظ على ما قال ابن العميد تعلم العقل والأدب وإن حسده معاصروه فما هو أول ذي نعمة محسود. بيد أنه كان عارفاً بشغب المشاغبين وحسد الكارهين وإليك ما قاله فيهم في كتاب المحاسن والأضداد: إني ربما ألفت الكتاب المحكم المتقن في الدين والفقه والرسائل والسيرة والخطب والخراج والأحكام وسائر فنون الحكمة وأنسبه إلى نفسي فيتواطأ على الطعن فيه جماعة من أهل العلم بالحسد المركب فيهم وهم يعرفون براعته ونصاحته وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلفاً لملك معه القدرة على التقديم والتأخير والحط والرفع والترهيب والترغيب فإنهم يهتاجون عند ذلك اهتياج الإبل المغتلمة فإن أمكنتهم الحيلة في إسقاط ذلك الكتاب عند السيد الذي ألف له فهو الذي قصدوه وأرادوه وإن كان السيد المؤلف فيه الكتاب نحريراً نقاباً ونقريساً بليغاً وحاذقاً فطناً وأعجزتهم الحيلة سرقوا معاني ذلك الكتاب وألفوا من أعراضه وحواشيه كتاباً وأهدوه إلى ملك آخر ومنوا إليه به وهم قد ذموه وثلبوه لما رأوه منسوباً إلي وموسوماُ بي.

وربما ألفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه فأترجمه باسم غيري وأحيله على من تقدمني عصره مثل ابن المقفع والخليل وسلم صاحب بيت الحكمة ويحيى بن خالد والعتابي ومن أشبه هؤلاء من مؤلفي الكتب فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته علي ويكتبونه بخطوطهم ويصيرونه إماماً يقتدون به ويتدارسونه بينهم ويتأدبون به ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم ويروونه عني لغيرهم من طلاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رئاسة يأتم بهم قوم فيه لأنه لم يترجم باسمي ولم ينسب إلى تأليفي.

هكذا كانت الحال بين الجاحظ ومعاصريه والمعاصرة حرمان في كل زمان. ولكن كان له من القبول عند الخلفاء والأمراء والأغنياء في دهره ما يقل وقوع مثله لغيره في عصر من الأعصار. فإن استبشع المتوكل منظره لما ذكر له لتأديب بعض ولده وصرفه بعد إكرامه - وكان الجاحظ مشوه الخلق قيل له الجاحظ لأن عينيه كانتا جاحظتين والجحوظ النتوء وكان