للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان نور الدين قد خلف ولده الملك الصالح اسمعيل وكان بدمشق عند وفاة أبيه فسار إلى حلب من دمشق فلما علم صلاح الدين أن الملك صالح صبي لا يستقل بالأمن ولا ينهض بأعباء الملك واختلت الأحوال بالشام تجهز من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق أنه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها بالتسليم سلخ سنة سبعين وخمسمائة وتسلم قلعتها ففرح الناس به وانفق مالاً جزيلاً وسار إلى حلب فنازل حمص وأخذ مدينتها ثم استولى على تلك البلاد إلى الفرات وما بعد الفرات وتوفي الملك الصالح بعد مدة قليلة فأخذ حلب ودانت له البلاد وفتح بيت المقدس بعد أن ملكه الإفرنج نحو مائتي سنة ولم يفشل في وقعة من وقائعه مع الصليبيين على كثرة عددهم وعديدهم أللهم إلى في عكا فاستعادوها منه بعد أن فتحها بواسطة ملك الإنكليز إذ ذاك ريشاردس قلب الأسد.

إن عدل الملك الناصر صلاح الدين يوسف قد أدهش الأوربيين في ذاك العهد فكانوا هم يعاهدون فينكثون أما هو فما عاهد ونكث قط وكثيراً ما كان بعض خاصته من متعصبة المشايخ الذين لا يعرفون سياسة الملك ولا حسن إدارة الفتوحات يريدونه على أن يعامل الصليبيين بعملهم في الانتقام من أسراهم عنده كما فعل أولئك وقتلوا مرة مئات من أسرى المسلمين فما كان جوابه إلا الإعراض عن مقترحاتهم والعمل بسنة اللين واللطف حتى استهوى القلوب الشاردة وأحبه أعداؤه قبل أوليائه وهذا من أندر النوادر في الملوك وناهيك بعصره الذي كان عصر التعصب الديني في الغرب والشرق أيضاً فالصليبيون جاؤوا هذه الديار مدفوعين بعوامل الدين واستقاذ بيت المقدس من المسلمين وهؤلاء قاموا باسترجاع البلاد بهذا العامل القوي أيضاً.

قال عبد المنعم الجلياني أحد شعراء الملك الناصر صلاح الدين من قصيدة يعلل فيها السبب الذي من أجله أحب الفرنج صلاح الدين:

وفيت لهم حتى أحبوك ساطياً ... بهم ووفاء العهد قيد المخاصم

فحانوا فخافوا فانتدوا فتلاوموا ... فقالوا خذلنا بارتكاب الجرائم

وخص صلاح الدين بالنصر إذا أتى ... بقلب سليم راحماً وللمسالم

فحطوا بأرجاء الهياكل صورة ... لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم

يدين لها نس ويرقى بوضعها ... ويكتبه يشفى به في التمائم