للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتلاقت ثقافة القديم والجديد في نفس الفتى، فأحب الكتب الصفر القديمة، ذات الهوامش والتعليقات والشروح الكثيرة، وعشق الصحف والمجلات الأجنبية، التي تحمل أنباء العلم، على شاطئ البوسفور والسين.

جمع محمد كرد علي المجد من أطرافه، فعاش في مدرسة الثانوية، ينهل من العربية على أيدي شيوخه، ودرس في "العازارية" فنون العلم ... ومن أجل ذلك قيل أن علاّمتنا العظيم سبق عصره.

وفي العام ١٨٩٧، كانت تصدر في دمشق جريدة تدعى "الشام" لصاحبها مصطفى الشقللي، وهو مدير مطبعة الولاية، ومدير إطفاء الحريق، فعهد إليه أمر تحريرها.

ولبث يحرر "الشام" ثلاث سنوات، وأخذ بعدها يراسل مجلة "المقتطف" المصرية، فانتقلت شهرته إلى مصر بعد الشام، وذاع صيته في البلدين" (١).

[تجربة غنية في الديار المصرية]

ورحل محمد كرد علي إلى القاهرة، ولبث فيها شهوراً عشرة، عمل خلالها في صحافتها، وتعرف إلى علمائها، وأدبائها، ورجال الفكر فيها، فاتسع أفقه، وذاع صيته، وباتت شهرته، في مصر، لا تقل عن شهرة أدباء تلك الفترة وعلمائها الأعلام.

وعاد ثانية إلى مصر، وعمل في تحرير بعض الصحف، وأصدر مجلة "المقتبس" الشهرية، ونشر فيها البحوث العلمية والأدبية والتاريخية، وكان ينقل عن مجلات الغرب أحدث أنباء العلم والحضارة والاختراع والتقدم. كما ترجم عدداً من الكتب المخطوطة النادرة، فجمع بين القديم والحديث.

وعاد محمد كرد علي إلى دمشق، وقد لجَّ به الشوق إلى غوطتها وقاسيونها وبرداها. عاد إليها وأصدر "المقتبس" جريدة يومية، بالتعاون مع أخيه أحمد، بعد أن أسس لها مطبعة خاصة. غير أن السلطة العثمانية ضايقته، وحاربته، ولاحقته، وأغلقت جريدته. ولا يلاحق إلا الأحرار، ولا يغلق الصحف، إلاَّ كل عدو للفكر والكلمة الحرة. فاضطر للفرار إلى فرنسا. وفي باريس زار مجمعها العلمي، ووقف في بهوه وسائل نفسه:


(١) ـ عبقريات شامية ـ مصدر مذكور.