للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويقف عند قولهم في المثل كل مجر في الخلاء يسر فيخاف أن يعتريه ما اعترى من أجرى فرسه وحده أو خلا بعمله عند فقد خصومه وأهل المنزلة من أهل صناعته ليعلم أن صاحب القلم يعتريه ما يعتري المؤدب عند ضربه وعقابه فما أكثر من يعزم على خمسة أسواط فيضرب مائة لأنه ابتدأ الضرب وهو ساكن الطباع فأراه السكون أن الصواب في الإقلال فلما ضرب تحرك دمه فأشاع فيه الحرارة فزاد في غضبه فأراه الغضب أن الرأي في الإكثار. وكذلك صاحب القلم فما أكثر من يبتدي الكتاب وهو يريد مقدار سطرين ويكتب عشرة والحفظ مع الإقلال أمكن وهو مع الإكثار أبعد.

واعلم أن العاقل إن لم يكن بالمتتبع فكثيراً ما يعتريه من ولده أن يحسن في عينه منه المقبح في عين غيره فليعلم أن لفظه أقرب نسباً منه من ابنه وحركته أمس به رحماً من ولده لأن حركته شيءٌ أحدثه من نفسه وبداءته من عين جوهره فصلت ومن نفسه كانت وإنما الولد كالمخطة يتمخطها والنخامة يقذفها. ولا سواء إحراجك من جزئك شيئاً لم يكن منك وإظهارك حركة لم تكن حتى كانت منك. ولذلك تجد فتنة الرجل بشعره وفتنة بكلامه وكتبه فوق فتنته بجميع نعمته. وليس الكتاب إلى شيء أحوج منه إلى إفهام معانيه حتى لا يحتاج السامع لما فيه من الروية ويحتاج من اللفظ إلى مقدار يرتفع به ن ألفاظ السفلة والحشوة ويحطه من غريب الأعراب ووحشي الكلام وليس له أن يهذبه جداً وينقحه ويصفيه ويروقه حتى لا ينطق إلا بلب اللب وباللفظ الذي قد حذف فصوله وتعرفه وأسقط زوائده حتى عاد خالصاً لا شوب فيه فإنه إن فعل ذلك لم يفهم عنه إلا بأن يجدد لهم إفهاماً مراراً وتكراراً لأن الناس كلهم قد تعودوا المبسوط من الكلام وصارت أفهامهم لا تزيد عن عاداتهم إلا بأن يعكس عليها ويؤخذ بها ألا ترى أن كتاب المنطق الذي قد وسم بهذا الاسم لو قرأته على جميع خطباء الأمصار وبلغاء الأعراب لما فهموا أكثره وفي كتاب اقليدس كلام يدور وهو عربي وقد صفي ولو سمعه بعض الخطباء لما فهمه ولا يمكن أن يفهمه من يريد تعليمه لأنه يحتاج إلى أن يكون قد عرف جهة الأمر وتعود للفظ المنطقي الذي استخرج من جميع الكلام.