للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أدبه الله حرصاً على صون النفوس عن مذلة التأديب وعلماً بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فإنه أعلم بمصلحته ومن أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين فقال: يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة وكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك إلا في أوقاته وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.

هذان رأيان لحكيمين كبيرين من آراء الحكماء التي لا تحصى في هذا الشأن دلهم عليها العلم والاختبار والاستقراء والزمان ويضيق بنا المقام إذا أردنا إحصاء الحوادث المحزنة التي جرت وتجري في المدارس المعروفة بالقسوة. كم من أمهات ثكلن بنيهن لشراسة المعلمين ولكم غض آباءٌ الطرف عن قسوة المدرسين ففقدوا أحداثهم وكم من أولاد ضاع مستقبلهم من غلظة المعلمين. سلوا المستشفيات والبيمارسانات سلوا الكهنة والمشايخ والمشعوذين والأطباء والإحصائيين علهم ينبئونكم صريخاً عن شهداء القسوة في المدارس. ولرب معترض من مزاولي حرفة التعليم الجالسين على كراسي أفلاطون وجول سيمون ومكس ملر وابن رشد المنتحلين لقب السيد المسيح ينتقد بعض كلامي ويرشقني بأسهم من ملام ويتخذ وصية حكيم الإسرائيليين حجة علي وما جوابي إلا أن القسوة في المدارس لا تفيد إلا في البلاد المتوحشة فقط حيث لا أم تهذب الأطفال ولا أب يحسن القدوة ولا هيئة مرتقية تساعد المعلم في نياته ولا قدوة خير تمنع الشر. ومع ذلك فيقتضي حينئذ لمستعمل العصا (في التربية والتعليم) حكمة سليمان وصبر أيوب ورقة السيد المسيح وبحث دروين واستقراء سبينوزا وإلا فالقسوة في المدارس مضرة على كل حال.

بيروت

جرجي نقولا باز