للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصل أن يحسن نقله بألفاظ وأسلوب يفهمه من لم يفهمه واللفظ والمعنى يخونانه؟ ولو درسنا هذا الفن على أهله لما صعب علينا نقله بأسره فنترجم الألفاظ التي لا مرادف لها عندنا بجملة ريثما يقوم من يضع لها مرادفاً في لغتناً أو نأخذها كما هي في اللغات الإفرنجية على نحو ما أخذنا كثيراً من الألفاظ في العهد الأخير وأدمجناها في مطاوي كلامنا.

والعربية ليست دون التركية في معنى النقل فإن الأتراك فتحوا باب النقل من اللغات الأوروبية فاغتنت لغتهم على قلة مادتها الأصلية بآداب الأمم الغربية وعلومها. ولو أتيح للعربية أن يعاد قلم الترجمة إلى القاهرة كما كان لا يصعب على المدارس الابتدائية والثانوية والعالية أن تسير مع العلم الغربي كتفاً إلى كتف. فلا يفوتنا هنا اليوم ما نُشر في الغرب أمس. وكيف يطلب من العربية الآن أن تحوي كتباً بأحدث ما تم من أبحاث العلم واكتشافاته بعد أن بطلت منها الترجمة في العلوم العصرية منذ أبطلت كلية بيروت الأمريكية تدريس العلوم بالعربية وجعلتها بالإنكليزية وقضت نظارة معارف مصر أن تكون الإنكليزية أيضاً لغة المدارس وضعف تعليم آداب اللغة في مدارس الأجانب في سورية وفي المدارس الأميرية بمصر.

وكان من هذا الضعف أن زهدت النفوس في تعلم لسان العرب وانتهى أمره إلى نفر من المولعين به وهم أفراد لا يبنى عليهم حكم في مصر والشام والعراق وتونس. بل وكلت خدمته لمرتزقة الكتّاب كأكثر محرري الجرائد وكتاب الروايات وبعض أساتذة المدارس ومعظمهم لا يهمهم من اللغة إلا أن يكتبوا ما يُطلب منهم أو يعملوا في الدائرة التي حددت لهم. وبديهي أن الناس لا ينبعثون إلى التأليف في لغة إلا إذا وجدوا المنشطات عليه والدواعي الحافزة إليه كأن تقبل الدولة ما يؤلفون وتنيلهم الجوائز عليه وتطبعه على نفقتها وتدرسه في مدارسها. وإنما يرغّب الناس في العلم وهو أشق الصناعات وأشرفها رواج سوقه بين الخاصة والعامة ولكن إذا رأى المؤلفون أن بضاعتهم مزجاة وأن أرقامهم كعباً لا يربح من قلمه ما يسد جوعته وأسعدهم من لم يُضطهد في سبيل نشر علمه فهيهات أن تنشط اللغة من عقالها. وإذا لم توفق مصر إلى جعل التعليم بالعربية يستحيل أن توجد كتب علمية أو ينشأ لها نشؤ يحسن الكتابة والخطابة على مناحي البلغاء. دع عنك الأفراد فإنهم