للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخبر بمدينة قرطبة حديثًا يذكر إلى وقتنا هذا (١).

* * *

[دعاء الإمام أحمد بن حنبل]

قال صالح بن أحمد: قال أبي (٢): فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا


(١) انظر: المستغيثون بالله تعالى لابن بشكوال ص٧٩ - ٨٠.
(٢) الإمام أحمد: هو الإمام حقًا وشيخ الإسلام صدقًا أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني، ولد سنة أربع وستين ومئة، قال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله كأن الله جمع له عِلمَ الأولين والآخرين. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، (أما محنة القول بخلق القرآن فقد حبس وعذب في عهد المعتصم وكان المحرض للفتنة أحمد بن أبي دُوَاد، حتى قال المعتصم لابن أبي دواد: لقد ارتكب إثمًا في أمر هذا الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إنه والله كافر مشرك، قد أشرك من غير وجه. فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد، قال صالح: وكان مكثه في السجن منذ أُخذ إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرًا ... وبقيت إبهاماه منخلعين يضربان عليه في البرد فيُسَخَّن له الماء، ولما أردنا علاجه خفنا أن يدس أحمد بن أبي دواد سمًا إلى المعالج فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا. وسمعته يقول: كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعًا، وقد جعلت أبا إسحاق - يعني المعتصم - في حل، والله - تعالى - يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر - رضي الله عنه - بالعفو في قصة مسطح. قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك.
وبلغنا أن المعتصم ندم وأسقط في يده حتى صلح، ولما ولي ابنه الواثق أظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دواد وأصحابه. قال حنبل: (ثم) ولي المتوكل جعفر فأظهر السنة وفرج عن الناس ثم وإلى أن مات أبي قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ... وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والثلج والفاكهة وغير ذلك، فما ذاق منها أبو عبد الله شيئًا ولا نظر إليها، ثم أجرى المتوكل على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم في كفاية وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك فما لك ولهذا؟ فأمسك أبو عبد الله، فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل. قال صالح: لما كان أول ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين (ومئتين) حُمَّ أبي ليلة الأربعاء وبات وهو محموم يتنفس تنفسًا شديدًا، وكنت عرفت علته، وكنت أمرضه إذا اعتل، وجاء جار لنا قد خضب فقال أبي: إني لأرى الرجل يُحيي شيئًا من السنة فأفرح به ... فلما كانت ليلة الجمعة ثقل وقبض صدر النهار فصاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت وامتلأت السكك والشوارع؛ عن أبي زرعة يقول: بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف عليه الناس حيث صُلي على أحمد، فبلغ مقام ألفي ألف وخمس مائة ألف. [السير للذهبي (١١/ ١٧٧ - ٢٥٨)] (باختصار وترتيب).

<<  <   >  >>