للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعلل ذلك بقوله: «لذلك أوجز القرآن في بيانه أحكام الدين العملية وَوَكَّلَ بيانها لعمل الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أحال في بيانها على العمل.

ولعل الذي أوقع هؤلاء في هذه الشُبْهَةِ هو عدم فهمهم لحقيقة الوحي في السُنَّة، حيث ظنوا طريقة الوحي فيها مثل طريقة وحي القرآن من نزول الملك به فحفظه وتسجيله ثم روايته تواترًا وعدم إتيان البشر بمثله، فخفاء الفرق بين الوحيين أوقعهم في هذا اللبس» (١).

فوحي القرآن يختلف عن وَحْيِ السُنَّةِ، إذ أَنَّ وحي السُنَّةِ في المرتبة الثانية بعد القرآن فلم يتوسط جبربل في نقل كل جزئية من جزئياتها كما هو الحال في القرآن ومن هنا جاء وَحْيُ السُنَّةِ، إذ أنَّ وَحْيَ السُنَّةِ أعم وصولاً إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إيحاء القرآن وقد كان يأتيه في صور متعددة من الإلهام والقذف والرؤيا في المنام ومن وراء حجاب أو بواسطة ملك الوحي، وقد ذكر الله هذه الأنواع وأشار إلى أنها طريق تكليم الله لعباده، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} (٢).

ووحي السُنَّةِ لم يتجاوز مفهوم هذه الآية ولم يتعداه لذا يقول الشيخ المودودي عقب هذه الآية: «ظهر أَنَّ القرآن اشتمل على نوع واحد من أنواع الوحي والصورتان الأخيرتان للوحي المذكور في الآية أيضًا مما كان يستمد منهما الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهداية والإرشاد وقد أظهرت لنا الآية ذلك» (٣).


(١) " فرقة أهل القرآن ": ص ٩٥.
(٢) [الشورى: ٥١]. انظر " فرقة أهل القرآن ": ص ٥١ وما بعدها.
(٣) " سنت کي اءيني حيثيت ": ص ١٠٢.

<<  <   >  >>