للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنَّ أصل وظيفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هي التبليغ {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ} (١)، وقد قال: «أَلاَ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» وذلك غير مخصوص بالكتاب بل بكل ما سمع منه قرآنًا كان أو سُنَّةً وقد قال تخصيصًا لهذه: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ».

قال الدكتور السباعي: «وقصارى القول أنَّ إنكار حُجِيَّة السُنَّة والادعاء بأنَّ الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإنَّ أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بالسُنَّة، وما في القرآن من أحكام إنما هي مُجْمَلَةٌ وقواعد كلية في الغالب، وإلاَّ فأين نجد في القرآن أنَّ الصلوات خمسة، وأين نجد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة، وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات» (٢).

وقال ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ - «ونسأل قائل هذا القول الفاسد في أي قرآن وجد أَنَّ الظهر أربع ركعات وأَنَّ المغرب ثلاث ركعات وأَنَّ الركوع على صفة كذا والسجود على صفة كذا وصفة القراءة فيها والسلام وبيان ما يجتنب في الصوم وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغنم والإبل والبقر ... وأحكام الحدود وصفة وقوع الطلاق وأحكام البيوع وبيان الربا والأقضية والتداعي والإيمان والأحباس والعمرى والصدقات وسائر أنواع الفقه وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم نَدْرِ كيف نعمل فيها وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة قد جمعناها كلها في كتاب واحد وهو المرسوم بكتاب المراتب فمن أراد الوقوف عليها فليطلبها هنالك فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أنَّ امرءًا قال: لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الأمة ولكان لا يلزمه إِلاَّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر لأنَّ ذلك هو


(١) [آل عمران: ٢٠]، [الرعد: ٤٠]، [النحل: ٨٢].
(٢) " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ١٦٥.

<<  <   >  >>