للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بل التزموا الصدق والصراحة في تعريفهم، وجمعوا كل ما يتصل بأخلاقهم وعاداتهم، وما يدل على قوتهم وضعفهم واحتياطهم وتساهلهم، وتقواهم وعلمهم وذاكرتهم، وجمعوا كل ما قاله معاصروهم فيهم، ولم يداروا ولم يجاملوا في ذلك، ولم يهابوا أحدًا، ولو كان بعضهم أميرًا مهابًا أو شيخًا وقورًا.

وقد روى التاريخ في ذلك طرائف تدل على شدة هؤلاء الناقدين وعلمهم بقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} (١) وتدقيقهم.

قال أبو داود: «كَانَ أَبُو وَكِيعٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فَكَانَ وَكِيعٌ (م ١٩٧) إِذَا رَوَى عَنْهُ قَرَنَهُ بِآخَرَ» (*).

وقد ترك معاذ بن معاذ العنبري (م ١٩٦ هـ) رواية [المسعودي]، لأنه رآه يطالع الكتاب، يعني قد تغير حفظه. (**). وقد قدم إليه عشرة آلاف دينار، وطلب منه أن يسكت عن فلان فلا يتكلم فيه بجرح ولا تعديل، فأبى ورفض هذا الحال العظيم، وقال: «لاَ أَكْتُمُ الحَقَّ».

وهذا قليل من كثير جِدًّا يدل على أمانة علماء الحديث والرجال، وتدقيقهم في موضوعهم، وتحريهم الحق والعدل في شهاداتهم، فهل يوجد في تاريخ العلم نظير لهذه الأمانة والتدقيق؟


(١) [سورة النساء، الآية: ١٣٥].

<<  <   >  >>