للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكمالُ في المثل الإنساني الأعلى، ولولا ذلك الباطن ما استطاع نبي من الأنبياء أن يحمل هموم أمة كاملة لا تضنيه ولا تغيره ولا تعجزه.

فحقيقةُ النبوَّة أنها قوةٌ من الوجود في إنسان مختار جاءت تصلح الوجود الإنسانيَّ به لتُقرَّ في هذه الحيوانية المهذَّبة مثلها الأعلى، بدلالتها على طريقها النفسيّ مع طريقها الطبيعي؛ فيكون مع الانحطاط الرقيّ، ومع النقص الكمال، ومع حكم الغريزة التحكم في الغريزة، ومع الظلمة المادية الإشراقُ الروحاني.

وما المعجزات إلا شأنُ تلك القوة الباطنة لا شأنُ إنسانها الظاهر. ومن الذي ينكر أن قوى الوجود هي في نفسها إعجاز للعقل البشري؟ وهل ينكر اليوم أحد شأنَ هذه القوة في (الراديو) حين مسته فجعلت الكلمة التي ترسل بين الشرق والغرب، كالكلمة بين اثنين يتحدثان في مجلس واحد؟

ونحن نرى معجزات التنويم المغناطيسي وما يبصره النائم وما يسمعه وما ينكشف له مما وراء الزمان والمكان؛ وليس التنويم شيئاً إلا تسليط الذات الباطنة بقواها الروحية العجيبة على الذات الظاهرة المقيدة بحواسها المحدودة، فتطغى عليها فتصبح الحواس مطلقة شائعة في الوجود بمقدار ما فيها من قواه لا بمقدار ما فيها من قوة شخصها، وعلى نحو ذلك يتصلُ الرجل الروحانيُّ بذاته الباطنة، فيوقع شخصه الظاهر في الاستهواء، فينكشف له الوجود ويبصر ما يقع على البعد ويرى ما هو آت قبل أن يأتي. وما الكون في هذه الحالة ألا كالمعشوق يقول لعاشقه الذي وقع في قلبه الحب: قد آتيتك نوراً تنظر به جمالي.

وفي علماء عصرنا من يفكر في الصعود إلى القمر، وفيهم من يعمل للمخاطبة مع الأفلاك، وفيهم من تقع له العجائب في استحضار الأرواح وتسخيرها. وكل ذلك أول البرهان الذي سَيُلْزِمُ الفم فيضطره في يوم ما إلى الإقرار بصحة الإسراء والمعراج. .

ونحن قبل أن نبدي رأينا في القصةُ نلمُّ بها إلمامةً موجزة؛ فقد اختلفت فيها الأحاديث ووقع فيها تخليط كثير فجاءت فنوناً وأنواعاً من طرق شتّى حتى جمعها بعضهم في جزءين، وما تحتمل كل ذلك ولا بعضه؛ ولكن روح الرواية في ذلك الزمن كانت كروح الصحافة في هذا العصر، متى فارت فَوْرَها استحدثتْ من كل عبارة عبارة أخرى، وعلى هذه الطريقة تخرج من العبارتين عبارة ثالثة، فيكون الأصل معنى واحداً وإذا هو يَمُدُّ من يمينه ويساره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>