للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الجمال. . .]

- ٢ -

لعل جمال المرأة أبرع مثل للجمال الطبيعي لو تدبرته؛ وسر الإعجاب

فيه هو سر الإعجاب في جمال الرجل: أعني الذكاء؛ والذكاء كما قلت

من قبل إبداع الوسائل الملائمة للغاية، ثم تطبيق هذه الوسائل على

غايتها في نظام دقيق محكم؛ فأنت لا تستطيع أن تفقه جمال المرأة إلا

إذا وقفت على حكمة الله فيها، وغرض الطبيعة منها، وأدركت ما بين

طبيعة خَلْقها وعلة وجودها من المواءمة التي تسترق الأفئدة وتدق على

إفهام البشر.

فالعلة الغائية لخلْق المرأة هي أن تكون زوجة وأُماً، وسبيلها أن تروق الرجل وتدمث خُلقه وترقق طبعه ليسكن إليها ويُشبل عليها بالمعونة والنجدة؛ وسكون الزوج إلى زوجه تدبير إلهي يقوم عليه بناء المجتمع وبقاء النوع، لأن المرأة وهي زوج تحمل، أو أم ترضع، لا تملك لنفسها ولأولادها غذاء ولا حماية؛ فما دام الولد في حاجة إلى أمه، فالأم في حاجة إلى أبيه. ولكن غريزة الاستقرار والاستمرار في الرجل ضعيفة، فلا بد لهذا الوحشي الشريد من صلة أخرى غير صلة الدم تحبسه على زوجه وتعطفه على بنيه؛ والحب وحده هو الذي مكن الطبيعة من هذه البُغية؛ فبفعل الجاذبية سكن النافر، وبسحر الجمال ثبت العَزوف. وللحب خصيصتان قويتان: الرغبة والحشمة؛ ومن ذلك كان جمال المرأة داعيَ الرغبة خافض الجناح حيي الطبع؛ والرجل مزهوٌّ على المرأة يُدل بحيازته لها، ويتعزز بقيامه عليها؛ فهو يريدها (ريحانة لا قهرمانة)، وحبيبة لا جليبة، لها سلطان ولكنه رفيق، وفيها إباء ولكنه رقيق.

ومن ذلك كان جمالها مزيجاً من الوداعة والعزة، وخِلطاً من الضعف والدلال، وطباقاً من الهيبة والنبل.

وجمال المرأة يحتفظ بدوامه وسحره ما دامت له روح من العاطفة تشع في نظراتها، وتنسم

<<  <  ج:
ص:  >  >>