للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كانت نكبة الأندلس، ونكبة الإسلام بسقوط قرطبة في يد النصارى، فطويت بذلك أسطع صحف الإسلام وصحف الخلافة في الأندلس؛ وكانت قرطبة قد فقدت أهميتها السياسية منذ الثورة وسقوط الدولة الأموية، ولكنها لبثت بعد ذلك عصراً تحتفظ بهيبتها الخلافية القديمة. ومن المرجح أن أطلال الزهراء بقيت بعد سقوط قرطبة في يد النصارى عصراً يصعب تحديده؛ غير أن قرطبة فقدت في ظل سادتها صبغتها ومعالمها الإسلامية بسرعة؛ ولم يبق اليوم من آثارها ومعاهدها الإسلامية الشهيرة سوى مسجدها الباهر الذي حوله الأسبان منذ افتتاحها إلى كنيسة جامعة؛ وقد شوهت بذلك معالمه ومناظره الأولى، ولكنه ما زال يحتفظ بكثير من أروقته وأبهائه القديمة، وما زال يلفت نظر الزائر المتجول بمسحته العربية والإسلامية، بل ما زال يعرف حتى اليوم بكلمة (مزكيتا) أي المسجد؛ ولم يبق غير المسجد من معاهد قرطبة وأبنيتها الفخمة القديمة سوى أنقاض بالية. أما الزهراء، فقد اختفت معالمها منذ عصر بعيد، ولم يبق منها اليوم أثر ما. بيد أن موقعها ما زال يعرف بالتقريب، في شمال غربي قرطبة، ويطلق عليه اليوم (قرطبة القديمة) ويقوم إلى جوار موقعها القديم إلى اليوم دير (سان جيرونيمو) ويقال إنه بني بأنقاض قصر الزهراء وقد عنيت الهيئات الأثرية الأسبانية في العهد الأخير بإجراء الحفر في تلك المنطقة محاولة استكشاف مواقع الزهراء ومعالمها الحقيقية.

وقد كان لهذا المصير المحزن الذي انحدرت إليه مدينة الناصر بسرعة مؤسية شبيه بين مصاير القواعد الملوكية الإسلامية؛ ذلك هو مصير مدينة القطائع الملوكية التي أنشأها ابن طولون إلى جانب الفسطاط، وأسبغ عليها ولده خمارويه آيات رائعة من الفخامة والبهاء، ثم شاء القدر أن تنهار دعائم الدولة الطولونية، وأن تمحى القطائع بين يوم وليلة، بعد حياة قصيرة لم تجاوز ثلث قرن؛ فكانت مأساة مؤثرة تشبهها مأساة الزهراء من وجوه كثيرة مع فارق في العظمة والمنزلة السلطانية، وفي ظروف العصر، وصروف الأحداث.

محمد عبد الله عنان

<<  <  ج:
ص:  >  >>