للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نفسه. . . أو خشي أن يثنيه أحد عن عزمه. . . وما أخطأ عمرو في ذلك. . . فها هي ساعات لا تنقضي على مسيرة عمرو حتى يقبل عثمان فيعلن إليه عمر نبأ غزاة مصر. . . فما يكاد عثمان يسمع الأمر حتى يراع ويصيح به: (يا أمير المؤمنين: إن عمراً لمجرَّؤ وفيه إقدام وحب للأمارة، فأخشى أن يخرج من غير ثقة ولا جماعة فيعرض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدري تكون أم لا. . .) فيشفق عمر على المسلمين إشفاقاً شديداً. . . وتحدثه نفسه أن يستوقف عمراً، ولكن عمراً قد مضى من أيام. . . ولعله قد دخل حدود مصر، ولعل الرسول لا يبلغه إلا وقد دخلها. . . وما ينبغي لجيش إسلامي أن يدخل بلاداً ثم يبارحها من غير فتح. . . تلك إذن هزيمة لا تليق بجند الإسلام.

. . . إذن فليسرع بالكتابة إليه، فإن أدركه الرسول قبل أن يدخل حدود مصر فليرجع، وما في ذلك حرج. . . وإذا كان قد دخلها. . . فليمض على بركة الله، وليبعث إليه الإمداد سراعاً تباعاً. . . كأنما كان عمرو يقرأ ذلك لكنه من كتاب! وكأني به وقد قدر أن الخليفة لا بد أن يستدعيه، وأن أحداً لا بد لائمه في ذلك الأمر. . . فها هو ذا يقرأ كتاب الخليفة دون أن يفتحه!. . . وها هو ذا يحتال حتى يدخل أرض مصر. . . لا لأنه يعلم أن الخليفة قد قال ذلك. . . بل لكي يقول للخليفة إذا أمره بالرجوع: (وكيف أنسحب وقد دخلت أرض مصر. . . فكأني بالروم تقول: خافتنا العرب. . .)

إلى هذا الحد بلغ ذكاء هذا الرجل وحسن تقديره ودقة بصره. . . حتى عمر نفسه على ما عرف عنه من الذكاء الخارق لم يدرك شأو ابن العاص في فن الحساب والتقدير!. . . . . . . . .

وأي صفقة هذه. . . لقد ربحها ابن العاص. . . إنها مصر التربة الغبراء. . . والشجرة الخضراء. . . (طولها شهر وعرضها عشر) كما يقول في وصفه البليغ لعمر. . . ثم انظر كيف يعرف الرجل سبيل استغلال (هذه اللقمة) السائغة. . . إنه يقول: (ألا يتأذى خراج ثمرة إلا في أوانها. . . وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها. . . . فإذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال. . . تضاعف ارتفاع المال. . .)

وتلك هي سبيل التاجر الذي يحسب مكسبه وطرق الفائدة منه. . . ثم استمع إلى ما يوصي به الناس غداة الفتح. . . إنه لا يقف كثيراً عن حض الناس على الصلاة والصيام. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>