للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حرجا في ذلك. . . ويطرب لذلك عمرو، فقد خسر منافسه الخلافة ولم يخسر هو شيئا. . . وهو إنما يرجو أن يخلع الخلافة عن علي ليصير هو ومعاوية صنوين. . . ثم إنه يعرف أن أنصار علي ملتفون حوله لأنه خليفة، فإذا زالت عنه هذه الخلافة تفرقوا. . . وقد أفلح. . . بل أن أنصار علي ليتفرقون قبل خلعه في التحكيم. . . ويصبح معسكره فوضى. . . وينفض الخوارج ويتفرقون ويحاربهم في النهروان. . . كل هذا يرضي عمرا لآن فيه أضعافاً للخصم، فإذا تم الأمر ونزعت الخلافة لم يصبح لعلي بعد ذلك شيء ويذهب أمره هباء

ثم يعلن الحكمان ما وصلا إليه: لقد رأينا خلع علي. . . لقد ثارت الفتنة واضطرب الأمر وأسقط في يد علي وأنصاره. . . وقد كسب عمرو كل شيء وأصبح علي عاجزا عن استنهاض همم جنوده لحرب معاوية. . . وقد قوى أنصار هذا الأخير فخافهم الناس واتحد جند معاوية وقوى أمرهم واشتد ساعده بهم، واستطاع أن يفصل عن علي بلاده جزءا جزءا حتى إذا قتل سنة ٤٠هـ لم يكن قد بقي في يده من الأمر شيء

هكذا فعل عمرو: فرق الصفوف وأشاع الفتنة وأقام هذه الفوضى التي لم يخلص الإسلام منها إلى أواخر أيامه. . . لكي يصل إلى شيء واحد. . مصر. . لقد باع الحق وارتهن الفضيلة، وساوم على طمأنينة الدولة الإسلامية ليكسب شيئا واحدا، هو مصر بخيرها وبركاتها

وانظر إليه لقد أسرع إلى مصر ستة آلاف مقاتل، يقطع بهم سيناء على عجل سنة ٣٨هـ، فإذا أشرف عليها فقد أرسل يهدد محمد بن أبي بكر الصديق ليخلي بينه وبين ما يريد. ولكن محمدا رفض، ولم يدر أن غريمه قد باع الدنيا والآخرة بهذا الذي يعارضه فيه؛ والتقى الجمعان، وفر محمد وتبعه معاوية بن حديج وقتله في المنشأة

ثم انظر صراعه مع معاوية على مصر. إن الأول ليستكثر عليه هذا البلد الغني الطيب، وإنه ليراه غير أهل لتلك النعمة الوارفة. فإنه لجالس ذات يوم في نفر من صحبه وفيهم عمرو فيقول:

- ما أعجب الأشياء؟ فيجيب يزيد أبنه:

- أعجب الأشياء هذا السحاب الراكد بين السماء والأرض. . . وقال آخر:

<<  <  ج:
ص:  >  >>