للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد أزلفنا أنه هجا الفيلسوف ابن الصائغ وأقذع في ترجمته له في القلائد، ثم مدحه وأثنى عليه في المطمح؛ وقد حدثنا الوزير لسان الدين بن الخطيب عن سبب هجائه إياه أولاً، قال: وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجه أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرائه به في تكذيبه إياه في مجلس إقرائه إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس، ووصف حلياً، - وكان يبدو من أنفه فضلة خضراء اللون، فقال له: فمن تلك الجواهر إذن الزُمرّدة التي على شاربك. . . فثلبه في كتابه بما هو معروف. . .

أما مدحه إياه بعد إذ هجاه فقد ذكر لنا العماد أن ذلك كان منه بعد أن أنفذ إليه مالاً استكفّه به واستصلحه. . . وإليك نُتَفاً مما كتبه في القلائد هاجياً، ثم مما كتبه في المطمح مادحاً: قال في القلائد: (هو - أي ابن الصائغ - رَمَد عين الدين، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفاً وجنوناً، وهجر مفروضاً ومسنوناً، فما يتشرع، ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا يشرع، ناهيك من رجل ما تطَهّر من جنابة، ولا أظهر مخيلة إنابة، ولا استنجى من حدث، ولا أشجى فؤاده بِتَوار في جدث ولا أقر ببارئه ومصوره، ولا قر بتباريه في ميدان تهوره، الإساءة إليه أجدى من الإحسان، والبهيمة عنده أهدى من الإنسان، نظر في تلك التعاليم، وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله الحكيم العليم. الخ الخ). وقد أورد له متعمداً أبياتاً ليست من جيد شعره. وأين هذا من تحليته له في المطمح بقوله فيه ما هذا بعضه: (نور فهم ساطع، وبرهان علم لكل حجة قاطع، تتوجت بعصره الأعصار، وتأرجت من طيب ذكره الأمصار، وقام وزن المعارف واعتدل، ومال للأفهام فنناً وتهدّل، إذا قدح زند فهمه أورى بشرر للجهل محرق، وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق، مع نزاهة النفس وصونها، وبعد الفساد من كونها، والتحقيق الذي هو للإيمان شقيق، والجد، الذي يخلق العمر وهو مستجد، وله أدب يود عطارد أن يلتحفه، ومذهب يتمنى المشتري أن يعرفه، ونظم تعشقه اللبات والنحور، وتدعيه مع نفاسة جوهرها البحور، الخ الخ). وأورد له شعراً جيداً. وكل أولئك تراه في ترجمتنا لهذا الفيلسوف الأندلسي العظيم. . . أما ما كان من الفتح من الكيد للفيلسوف الكبير والطبيب النطاسي الأشهر والوزير الخطير أبي العلاء زهر لدى أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فقد جاء في نفح الطيب ما نصه:

<<  <  ج:
ص:  >  >>