للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٤ - المجنون]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

وضاق (نابغةُ القرن العشرين) بحُمق المجنون الآخر؛ ورآه داهية دَوَاهٍ كلما تعاقل أو تحاذق لم يأتِ له ذلك إلا بأن يكشفَ عن جنونه هو؛ فلا يبرَحُ يُجرَّعُه الغيظَ مرةً بعد مرة، ولا يزال كأنه يسُّبه في عقله؛ فأراد أن يحتالَ لصرفه عن المجلس، فدفع إليهالرسالة التي جاء بها (البريد المستعجل)، وقال له: خذ هذه فاذهب فألقِها في دار البريد، فسيجيء بها الساعي مرة أخرى، ثم تذهب الثانية فتلقها، ويعود هو فيجئ بها، وتكونُ أنت تذهب ويكون هو يجئ فنضحك منه ويضحكون. . . . .

قال س. ع: ولكن كم يذهب هذا وكم يجئ ذاك؟

فغمزه (النابغة) بعينه أن اسكت، فتغافل س. ع. وقال: كم تريد أن يجيء الساعي ليهتف بنابغة القرن العشرين؟

قال المجنون الآخر: هذا هو الرأي، فلست قائماً حتى أعرف كم مرةً أذهب، فان الساعي لا يجيء إلا راكباً، وأنا لا أذهب إلا راجلا، وإن لي رجلي إنسان لا رجلي دابة

قال (النابغة): سبحان الله! بقليل من الجنون يخرجُ من الإنسان مجنونٌ كامل مُسْتَلَبُ العقل. بَيْدَ أنه لا يأتي النابغةُ إلا من كثيرٍ وكثير، ومن النبوغ كله بجميع وسائله وأسبابه على تعدُّدها وتفرّقها وصعوبة اجتماعها لإنسان واحد (كنابغة القرن العشرين) فهو الذي توافتْ إليهكلُّ هذه الأسباب، وتوازنت فيه كل تلك الخلال. إنه ليس الشأنُ في العلم ولا في التعليم؛ ولكنما الشأنُ في الموهبة التي تبدع الابتكار كموهبة (نابغة القرن العشرين)؛ فيها تجئ أعماله منسجمةً دالة بنفسها على نفسها؛ ومتميزة مع كونها منسجمة دالة بنفسها على نفسها؛ ومتلائمة مع كونها متميزة دالة بنفسها على نفسها. . هذا س. ع. كان الأولَ بين خرّيجي مدرسة دار العلوم، مدرسة الأدب والعربية والمنطق والتحذلق وبلاغة اللسان وصحة النظر، وهو يعرف أن الكتاب يُلقي في البريد وعليه طابعٌ واحد، فيصل إلى غايته بهذا الطابع؛ ثم يرى بعيني رأسه أربعة طوابع على هذه الرسالة المعنونة باسم (نابغة القرن العشرين) فلا يدرك بعقله أن معنى ذلك أن من حق هذه الرسالة أن تصل إليَّ أنا أربع مرات. . . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>