للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا تحسبن المجد زقاً وقينة ... فما المجد إلا السيف والفتكة البكر

وتضريب أعناق الرجال وأن تُرى ... لك الهبواتُ السود والعسكر المجرُ

وتركك في الدنيا دوياً كأنما ... تدوال سمع المرء أنمله العشر

أنا لا أريد لهذا النشء المتفكك من شبابنا (الشيك) أن يقحم نفسه الحرب، ويحملها الطعن والضرب، كي ينشأ شجاع النفس شديد البطش منيع الجانب عظيم الرجولة، ولكني أنصحه بقراءة ديوان المتنبي شاعر القوة والبطش والرجولة الحق، وأنا زعيم له بعد ذلك بما يتطلبه من رجولة وإقدام.

ولو أن الحياة تبقى لحر ... لعددنا أضلنا الشجعانا

وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تموت جبانا

أما أنتم أيها الذين أضلهم المجد وقعدت بهم الهمة عن طلب العلا، فأستوطأوا مهاد الضعة، وأساغوا صاب الذل، ورضوا بخطة الخسف، فإليكم أتوجه ببيتي شاعر المجد والعظمة

إذا غامرت في شرق مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم

وبعد: فأن في ديوان المتنبي جبهة حربية تعلم شبابنا الشجاعة والقتال، ومدرسة أسبارطية تنشئ أطفالنا على احتمال الشدائد والأهوال، وجماعة فلسفية توحي إلى رجالنا جلائل الأعمال. فلنمجد شاعر الأدب القوي الذي يدعو إليه نيتشه في عصره، والأستاذ أحمد أمين في عصرنا، والذي توجبه حالنا الاجتماعية والخلقية، وتفرضه سنة البقاء على الناس.

وليحْن قراء (الرسالة) معي رؤوسهم خشوعاً وإجلالاً لنبي الشعر، وفارس الدهر، وملء أذن العمر، وعبقري لو تقدم به الزمن في عهده الإغريق لخلده هومير مع الأبطال وسما به إلى سماء الآلهة! ولا عجب.

وأبو الطيب القائل عن نفسه:

وقت يضيع وعمر ليت مدته ... في غير أمته من سالف الأمم

أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم.

(حلب)

كمال حريري

<<  <  ج:
ص:  >  >>