للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاتصال الذاتي، اللذين يكسبانها الروح والحياة والحركة. ومن جهة ثانية فإن غموض الغرض قد لبس على المؤلف أمره، وجعله يضطرب بين طرائق المؤرخ المحقق، والمحامي المنافح عن الدين، والواعظ المبشر بالإسلام، الراد لشبهات المبشرين وتعسفات المستشرقين؛ فعدل في كثير من المواطن عما يحسن، وتكلف ما لا يحسن، وما ليس من شأنه من حيث هو مؤرخ فحسب. ومن جهة ثالثة فإن نشاط المؤلف وعنايته لم يوزع على أجزاء الكتاب توزيعاً يتكافأ وأقدارها من الوجهة التاريخية البحتة، فتشريع القبلة وحكمته يظفران بثلاث صفحات، في حين أن غزوة بدر التي تعتبر بحق أهم وقائع الإسلام ومن وقائع التاريخ الفاصلة، لا تكاد تظفر بصفحة واحدة! وأم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك تخص بصفحتين، في حين أن الأحداث الجسام التي وقعت في زمن الخليفة يزيد ابن الوليد بن عبد الملك تركز وتضغط في أسطر قلائل!

أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل

ومن الأمور التي أثرت في كتاب (تاريخ الإسلام السياسي) وقعدت به عن رتبة الجودة ما يدل عليه الكتاب نفسه من عدم وفور حظ المؤلف من الثقافة الإسلامية الصحيحة، والمطلع على الكتاب يرى أن المؤلف يحاول جهده أن يكتم هذا الضعف، ويستره بطلاء براق من الاقتباسات العربية الكثيرة التي يطالعك بها في كل صفحة، ولكن هذه المحاولة لا تروج حتى على من يقرأ الكتاب قراءة عجلى. فإن اللحن والتحريف الفاشيين في الكتاب واللذين أعرضا عن تتبعهما اختصاراً للقول، وتوخياً لصميم الموضوع، وإن المآخذ التي سردنا بعضها في بحوثنا الماضية، نقول إن ذلك كله كفيل بإثبات أن المؤلف غير موفور الثقافة الإسلامية. وقد أداه تفريطه في جانب الثقافة الإسلامية إلى الإفراط في الأخذ عن المصادر الأجنبية، فخرج كتابه حائل الصبغة، حائراً بين العروبة والفرنجة، لا ينتمي إلى واحدة منهما انتماء صحيحاً

والحق أن التاريخ الإسلامي من أشق فروع التاريخ مطلباً وأوعرها مذهباً، فهو تاريخ عالم بأسره؛ لا مجرد تاريخ إقليم معين أو أمة بعينها. وهو تاريخ عصور متطاولة تقرب من أربعة عشر قرناً، ثم هو تاريخ تختلط في الأحداث، والنظم، والآراء، والمذاهب اختلاطاً عجيباً، فإذا ما أريد تصنيفها وإفراد كل منها على حدته، وسوقه في مساقه الخاص، اقتضى

<<  <  ج:
ص:  >  >>