للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ودريد بن الصمة يمدح عبد الله بن جدعان بعد أن هجاه فيقول:

إليك أبن جدعان أعملتها ... محففة للسرى والنصب. . الخ

وقس بن ساعدة يخطب الناس خطبته المشهورة فيذكرهم بالله والموت ورسول الله يسمع له، والخنساء تسوم هودجها براية وتشهد الموسم بعكاظ وتعاظم العرب بمصيبتها في أبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، وتنشد في ذلك القصائد، فلما وقعت وقعة بدر وقتل فيها عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة أقبلت هند بنت عتبة إلى عكاظ، وفعلت كما فعلت الخنساء، وقالت اقرنوا جملي بجمل الخنساء ففعلوا، فعاظمت هند الخنساء في مصيبتها وتناشدتا الأشعار: تقول إحداهما قصيدة في عظم مصيبتها وترد الأخرى عليها، وعلى الجملة فكانوا في عكاظ يتبايعون ويتعاكظون ويتفاخرون ويتحاجون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وفي ذلك يقول حسان:

سأنشر ما حييت لهم كلاما ... ينشر في المجامع من عكاظ

فمن هذا كله نرى كيف كانت عكاظ مركزا لحركة أدبية ولغوية واسعة النطاق كما كانت مركزا لحركة اجتماعية واقتصادية.

نظام سوق عكاظ

كانت القبائل (كما أسلفنا) تنزل كل قبيلة منها في مكان خاص بها، ثم تتلاقى أفراد القبائل عند البيع والشراء أو في الحلقات المختلفة. كالذي حكينا أن الأعشى رأى الناس يجتمعون على سرحة، أو حول الخطيب يخطب على منبر، أو في قباب من أدم تقام هنا وهناك، ويختلط الرجال بالنساء في المجامع، وقد يكون ذلك سببا في خطبة أو زواج أو تنادر وكانت تحضر الأسواق (وخاصة سوق عكاظ) أشراف القبائل. وكان أشرف القبائل يتوافون بتلك الأسواق مع التجار من أجل أن الملوك كانت ترضخ للأشراف، لكل شريف بسهم من الأرباح، فكان شريف كل بلد يحضر سوق بلده، إلا عكاظ فانهم كانوا يتوافون بها من كل أوب).

والظاهر أن المراد بالملوك هم الأمراء ورؤساء القبائل الذين يرسلون بضائعهم لبيعها في أسواق العرب كملك الحيرة والغساسنة وأمراء اليمن ونحوهم (وكانت القبائل تؤتي لرؤسائها إتاوة في نظير إقامتهم بالسوق، فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه أخبار أسواق كثيرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>