للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيوولف ملحمة شعرية طويلة فيما يزيد على ثلاثة آلاف بيت نظمت - على الأرجح - في مستهل القرن الخامس الميلادي، قبل أن يزايل الإنجليز موطنهم الأول إلى بريطانيا. وطابعها المميز لا يقوم على إنها أقدم قصائد الإنجليز عهداً، بل على إنها أصدق صورة للمجتمع الأنجلو سكسوني القديم، توضح لنا في جلاء حياة القوم في وطنهم الأول، وترسم لنا أخلاقهم وعاداتهم، وتنفذ إلى أكواخهم ودخائل معايشهم، وتسجل تاريخهم وأيامهم. فقيمتها لهذا لا ترتكز على الناحية الفنية فحسب. أما عبارتها فأنيقة موجزة، تطرد كل الطراد مع الموضوع الذي تؤرخه وتروي حوادثه الحربية، في سرعة وتسلسل لا يفقدانها توازناً، أو يبعثان إلى سطورها مللاً وسآمة. وهي أن كادت تخلو من التشبيهات التي لا تعدو خمسة، فيها كثير من الاستعارات الجميلة البسيطة. والشعر السكسوني لا يأبه للوزن والقافية، وإنما يعتمد كل الاعتماد على النبرات والمقاطع المشددة، يكاد يلتزمها في كل جزء من أجزاء البيت، فلا يكاد يخلو جزء من ثلاث كلمات مشددة، تتشابه كلها في حرفها الأول غالباً.

وبيوولف قطعة رائعة نادرة من الأدب القديم، ظلت حبيبة إلى قلوب الإنجليز ومشاعرهم خلال عدة قرون، وإن كادت تختفي اليوم وتنسى إلا من كتب الأدب. وكثيراً ما أوحت إلى الشعراء وأمدتهم ببضاعة حية زاخرة، وآخر من نلمس أثرها فيه منهم شاعر اسكتلندا الكبير وليام دنبر (من حوالي سنة ١٤٦٠ إلى سنة ١٥١٣م). وهي إلى هذا لا تخلو من سطوة الخرافة عليها، شأن الملاحم القديمة، تلك الخرافة التي أنتجها الخيال الآري الخصب، والتي تظهر لنا واضحة جلية في آداب الإغريق والرومان والتيوتون (آباء الأنجلو سكسون)، والتي نراها تتسلسل إلى أساطير الفراعنة أيضاً. وهي في كل حالاتها تحاول أن تمجد الإنسان وترفعه - على صور عدة - إلى مصاف الآلهة وأنصاف الآلهة، وحتى تنتظمه وإياها في وشائج وأنساب متشابكة متداخلة؛ على أن أسطورتنا هذه لا تسمو ببطلها إلى حيث يختصم الآلهة وينتضل الأرباب، بل تقنع بتوجيهه إلى أغوار الجن والمردة، يصارعها وتصارعه، حتى يغلب أشدها مراساً وأقواها أيداً.

ولغة القصيدة لا تكاد تفهم اليوم، فقد نبت واستوحشت. وحوادثها تدور حول البطولة الوثنية وحول حياة قبائل البلطيق فتتخذ لها مسرحاً أرض زيلند وجوتلند وخليج البلطيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>