للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حصلت عليها من المكتبات الأوروبية، ثم عكفت على قراءة القرآن الشريف بمساعدة المعاجم اللغوية، وحفظت عن ظهر قلب معاني الكلمات المبهمة والألفاظ المعقدة. وتابعت السير على هذه الخطة عدة شهور إلى أن أصبحت بفضل الله ورعايته ملماً بأصولها. وفي خلال شهور الصيف أخذت أطالع قصص (ألف ليلة وليلة) والمعجم إلى جانبي، وكثيراً ما لاقيت صعابا كادت تفت في عضدي وتوهن من قواي، كالشعر الجاهلي الذي كان يبدو على الرغم من جماله وموسيقاه مبهما معقدا، فكنت من حين لآخر أقذف بالكتب جانبا وقد قر في عزمي ألا أعود إليه مرة أخرى ليأسي من التقدم

وبمرور الزمان انتصرت على جميع الصعاب، ورحت أتفهم العربية في شيء من السهولة واليسر، مع إنني لم أسمع في حياتي صوت متكلم بها؛ ولما أيقنت مقدار ما تبطنه الظروف وأن هناك بعض النقص في إلمامي بالأدب العربي والشريعة السمحاء صممت قبل الشروع في زيارة البقاع الإسلامية المقدسة إلى أن أقيم فترة طويلة من الزمن في مصر حيث الأزهر الشريف مركز الثقافة الإسلامية ومحط العلماء.

وفي الواقع كنت أسعد مخلوق في العالم عند ما ألفيت نفسي أدخر مبلغاً من المال يساعدني على أن أطيل إقامتي على ضفاف النيل السعيد مهد المدنية والسلام.

وعندما وطئت قدماي أرض القاهرة قوبلت بحفاوة عظيمة من جانب أدباء مصر وصحفييها وغيرهم ممن مهدوا السبيل أمامي لاستكمال نواحي دراستي في الأدب العربي، والتعمق في شعاب الدين الحنيف، بحيث أصبح قادراً على صد هجمات كل من تسول له نفسه الاقتراب أو التشويه من عظمة الإسلام في أوربا.

وكانت فكرتي مقترنة دائماً بأن أدرس العربية دراسة جامعية لا دراسة هواية، شأن الكثير من المترفين ممن يعكفون على تعلم اللغات لغرض السياحة أو بقصد القراءة الخفيفة المسلية؛ وكنت أرمي من وراء دراستي إلى القيام بخدمة الإسلام والمسلمين الذين وقعوا تحت نير الاستعمار الأوربي منذ قرون؛ وقد كانت هذه الغاية من أقوى العوامل التي دفعتني للتقرب من المسلمين في الهند وتركيا ومصر. وإن أنس لا أنس الظروف التي لاقيت فيها كثيراً من فقراء المسلمين الهنود، وهم يعيشون في بطون أكواخهم المشيدة من القش، ويستضيئون بأنوار الإسلام فتتحول تلك الأكواخ في أنظارهم إلى قصور وجنات

<<  <  ج:
ص:  >  >>