للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعاليمهم، وتلقحت بمبادئهم، ونذرت الطاعة والعفة والفقر مرضاة لله وطمعاً في الآخرة؟

لا، لا، قال صاحبي: هذا سؤال لي أطرحه عليك، هذا عبء ألقيته عن ضميري منذ اتجهت صوب المادة أعالج شؤونها معالجة عامل عقله في ساعديه وذهنه بين ساقيه، وقلبه في (كرشه)، أجب أنت يا صديقي على هذا السؤال لأني آليت منذ هجرت الأهل والوطن أن ألتزم الآلة فأكون مثلها، تحركها القوة الدافعة، يغذيها الحريص على بقاءها بالزيت والشحم!! قل، أجب، أشرح لأني أتوق إلى معرفة ذلك المصير، مصيري لو صرت كاهناً، لأنه كثيراً ما أقض هذا الخاطر مضجعي، وعكر راحتي، وسلب الرقاد من جفوني على كره مني.

أشعلت غليوني، أخذت أنظر الدخان لأعقد حلقات تتمدد وتتبخر كخواطر الإنسان، وأرى النار تتأجج وتهمد في قلبه كالرغبات في ضمير رجل، ثم سمعت نفسي تناجيني وضميري يسارني فقلت:

ماذا تراني كنت أكون لو فعلت تلك الفعلة؟ هل كانت تتبلد مشاعري، ويتحجر إحساسي وتتكور نظراتي، ولا تعود آرائي تدور إلا حول نقطة مجهولة في مصير مزعوم طمعاً في وهم ملفق؟

هل كنت أتعامى عن الدنيا وما فيها من بدائع صنعها الإنسان بقدرته فصيرها جنة لمن يطيب له النعيم في الجنات، وجهنم لمن يرتاح إلى الشقاء في الجحيم؟

هل كنت أنطوي على جوفي الخالي ورأسي القحل كما تنطوي الحية على نفسها في الرمال تتلمظ السم من أنيابها في انتظار حياة رغده في فصل الربيع الذي لا شك في إقباله بالخيرات

هل كنت أتوسد فراشاً محشواً بشوك الحرمان!، التحف الكبد أتقلب على جمرات من عذاب الجسد، ليس لي من مجير سوى حقنات الكافور تخمد إلى حين ثورة الأعصاب المتشنجة، والنفس المحمومة، والروح الحائر؟

هل تراني كنت أتوجه صوب السماء الصامتة أطلب الغوث من سكانها الصامتين؟

ماذا تراني كنت أكون لو فعلت تلك الفعلة؟

هل كنت ألبس المسوح وأسكن الأديار النائية، أعد دقائق العمر بين السأم والملل، والرجاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>