للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الأحسية بالقبابات، ولكن في استطاعتنا أن نبقيه حياً في مخ الأرنب، فهذه هي الطريقة الوحيدة لحفظه ونمائه)

أوجِد أو يوجَد أعجب من هذه التجربة في كل الذي كان ويكون من صيادة المكروب، أو في أي علم آخر من العلوم! أم هل مارست تلك العلوم أمراً أبعد ما يكون عن المألوف فيها مثل الذي مارسه بستور وصاحباه: مكروبةٌ غير منظورة، كل الذي يعلمونه عن وجودها أنهم يستطيعون نقلها في الأمخاخ والحبال الفقرية في سلسلة طويلة من الأرانب والخنازير والكلاب، وكل برهانهم على كونها، وأن للكلب مكروباً هي مكروبته، موت تلك الأرانب المحقونة في تشنج وارتعاص، والعواء المزعج لتلك الكلاب التي أعملوا في رءوسها المثقاب

ثم أخذ بستور وأعوانه يحاولون أمراً عجباً لا يقول عاقل بإمكانه، ذلك تأنيس تلك المكروبة الفتاكة التي تُرى. وتعطّلوا في محاولتهم هذه بعض التعطل، فذهب رو وتويييه إلى مصر يدافعون مرض الكوليرا ومات تويييه في سبيل ذلك على ما علمت، وذهب بستور إلى بعض زرائب الخنازير في الريف يبحث عن مكروب داء كان تفشى فيها ويطلب لها لقاحاً منه، ولم يطل هذا التعطل طويلاً. واجتنب بستور تلك المنازعات والحجاجات الوضيعة التي كانت تنتهي على الأغلب بذمه والنيل من اسمه وكرامته. وحبس نفسه مع عونيه والحيوانات الشلاّء الخطيرة في معملهم بشارع أُلْم وفي هذه الحبسة أتوا على عدد لا حصر له من التجارب

ووضع بستور رقباء على مساعِدَيه الشابين وأنزلهما المعمل على منضدتيهما فكنت تراهما مكبّين عليها صباح مساء كأنهما بعض الأرقّاء. وكان ينظر ما يصنعانه بإحدى عينيه، وينظر بالأخرى الباب الزجاجيّ للغرفة التي كانا يعملان فيها، فإذا هو رأى أحداً من أصحابهما جاء يدعوهما إلى كأس ببيرة في شُرفة مقهى قريب، أسرع فخرج إلى الدخيل فقال له: (لا، لا، ليس هذا وقته. ألا ترى أنهما مشتغلان؟ إنها تجربة في غاية الخطر ليس في الإمكان أن يقطعاها!)

ومضت على هذه الحال أشهر غبر حسبوا جميعاً عند ختامها أنه لا سبيل إلى إضعاف هذه الجرثومة التي لا ترى، فالمائة من الحيوانات التي يحقنونها بالمكروب بعد محاولة إضعافه

<<  <  ج:
ص:  >  >>