للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كثيراً من التقاليد والمؤثرات الإسلامية، ولاسيما في شعر الفروسية، بل لقد سرت هذه التقاليد والمؤثرات إلى الحركات الفكرية والأدبية في أنكربرديه (لومباردي)؛ فليس غريباً أن نستخلص من تفاعل هذه المؤثرات والعوامل كلها أن شعر الإحياء لم يكن بدايته بعيداً عن التأثر بمؤثرات الحضارة الإسلامية ومؤثرات الشعر الأندلسي عن طريق الشعر البروفنسي

ومما يبعث حقاً إلى الدهشة أن نجد شبهاً عجيباً في الموضوع والخيال والتصوير بين (جحيم دانتي) وهي أعظم وأروع آثاره وبين أثر عربي أقدم هو رسالة الغفران للشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري، مما قد يحمل البعض على الظن بأن دانتي قد وقف بطريقة من الطرق على موضوع رسالة الغفران، وقد كتبت قبل عصره بأكثر من قرنين، ومع أن هذا الرأي لم يؤيد بصفة علمية واضحة، إلا أنه مما يلاحظ في تأييده أن كثيراً من علوم العرب آثارهم العلمية والعربية كانت معروفة في شمال إيطاليا عن طريق البندقية منذ القرن العاشر الميلادي

هذا ونستطيع من الناحية العلمية العامة أن نقول أيضاً أن بعث الإحياء الأوربي لم يكن بعيداً عن التأثر بمؤثرات العلوم الإسلامية؛ فنحن نعرف أن الأندلس كانت منذ القرن التاسع الميلادي نبراس الغرب كله في العلوم، ونعرف أن مدارس قرطبة واشبيلية وغرناطة كانت فيما بعد كعبة الطلاب من سائر أنحاء أوربا، وأن النهضة العلمية في أوربا بدأت قبل عصر الإحياء على يد جماعة من الرهبان النصارى الذين تلقوا العلوم في مدارس الأندلس مثل جربرت الراهب الفرنسي الذي ارتقى عرش البابوية فيما بعد باسم سلفستر الثاني (سنة ٩٩٩ م) وآبيار وهو أيضاً راهب فرنسي تفقه في الفلسفة والعلوم المعاصرة وطار صيته في أوائل القرن الثاني عشر؛ وكان اعظم ما يتلقى الرهبان العلماء - وهم يومئذ دعاة العلم في الغرب الأوربي - الفلسفة اليونانية عن طريق العلماء والفلاسفة المسلمين، ولاسيما ابن رشد الأندلسي الذي كان أول من عرف العالم الغربي بالفلسفة الأرسطوطالية، وقد ترجمت شروحه المستمدة من الفلسفة الأرسطوطالية في المنطق وما وراء الطبيعة اللاتينية منذ القرن الثاني عشر، وكانت أساسا لكثير من المباحث الفلسفية التي ازدهرت أيام الإحياء الأوروبي في شمال إيطاليا، بل يرى مؤرخو الفلسفة أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>