للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المجلس يتبدد، حتى لم يبق إلا أنا وصاحب الدار، فلما هممت بالانصراف استبقاني

قال الباشا: لعلك أسأت الظن بأدبي؟

قلت: معاذ الله

قال: أضنك في دهشة من سوء لقائي لضيفي، وربما أهمك أن تعرف السر

قلت: لا أرى في معرفته باساً

قال: لا يزال الصديق محباً إلى قلبك، رفيع القدر في عينك، حتى تكشف لك الأيام منه عن عورة لا تستطيع الإغضاء عنها، فمالك يومئذ من ذنب إذا سقط عندك مقداره، وتمكن من نفسك احتقاره

هذا رجل صاحبني خمسة أعوام كاملة، ملأ في خلالها جوانب قلبي، واستأثر دون الأصدقاء بحبي، وجمعت بيننا مجالس بعضها لله وبعضها للشيطان، وفي أمثال هذه المجالس أسخو بالمال وأكون المتلاف المبذال

وكان هذا الرجل زميلي في كل هذه المجالس، ودليلي إليها في أكثر الأحيان

وقادني إلى بيت في حي من اجمل أحياء المدينة. نادمنا فيه نسوة ثلاثاً كأنهن الحور العين، فقطفنا منهن ورد الخدود، وداعبنا غصون القدود، وصار هذا البيت معهد غرامنا نسعى إليه بين الحين والحين، ولكن في جنح الليل، وفي غفلة من الجيران

وما هي إلا اشهر معدودات، حتى علمت علم اليقين إن هذا البيت الذي نعبث بنسائه ونلهو، هو بيت صاحبي دون سواه! وان نديماتنا هن امرأته وقريبتاه! هن اللائى نغازلهن ونقبلهن! وهن اللائى ينلن مني أجر العبث بهن، أدفعه سخياً كريماً، ويتقبلنه راضيات فرحات!

ولقد أخذني من هذه الحقيقة المؤلمة هول وفزع، فقد تكشف لي صديقي عن نفس خبيثة وعرض ممزق!

قلت: فهلا كاشفته بما علمت من دخيلته؟

قال: لقد كان عذره اقبح من ذنبه، فقد أفهمني أنه وقد عرف فيّ البعد عن الجريمة المنكرة، وجرب عليّ القناعة بالقبلة والمنادمة، وشهد سخائي في البذل، رأى أن يؤثر نفسه ونساء بيته بمالي، فهو وهن أحق بذلك المال الذاهب هباء، والملقى إلى أناس آخرين، ولم يجد في

<<  <  ج:
ص:  >  >>