للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شباب العراق في مصر]

قل لأولئك الذين زعموا أن مصر نَبَتْ على العروبة فقطعت الأسباب الموصولة، وأيبست الأرحام المبلولة: تعالوا فانظروا كيف بَثَّتْ بالعراق بشاشة الألفة، ورفَّت لبنيه رفيف القرابة، وأشبلت عليهم أشبال الأمومة! تعالوا فأسالوا شباب الفراتين: هل كانوا على ضفاف النيل في ارض غير أرضهم، وقوم غير قومهم، وبيئة غير بيئتهم؟ لقد كان إقبالهم على محطة لقاهرة كإقبال الربيع، واستقبالهم فيها كاستقبال العافية! نزلوا من القطار على أكتاف البهاليل من شباب النيل، وحلوا في قلوب الميامين من رجال الوادي، وهتفت الجموع الحاشدة بأسمى فؤاد وغازي، وجرت الألسن الخاطبة بلفظي القرابة والوحدة، وتلاقت العواطف الظامئة على وِرْدي الإخاء والمودة. ودخل الطلاب العراقيون في غمار الألوف المتهللة، فتجاذبت الدماء، وتمازجت القلوب، وتعاطفت الذكريات، وتجاوبت الأماني، وترجمت اللغة! ثم كانوا طوال الأسبوع المنصرم غبطة القاهرة وبهجة الأندية وحديث الصحف، يظلون من مطلع النهار إلى مقطع الليل غرقى في احتفاء المدينة بين ترحيب يومض في العيون، وتسليم يفتَرُّ في الشفاه، وإعجاب يدوِّي في الأكف، وكرم يفيض على الموائد، ثم لا يسعفون كل مَشُوق لسعة الحركة ولا يجيبون كل داع لضيق المدة

والحق أن الشباب العراقيين كانوا كما قال الدكتور محجوب: طاقة من شتيت الزهر النضير قدمتها بغداد إلى القاهرة في العيد! مثلوا العراق في الرجولة والعزة، ومثَّله الأستاذ منير القاضي في الوقار والنبل، فكانوا بهذا المظهر الجميل دليل اليقين لمن يطيع في أمتهم الشك، وشاهد الاطمئنان لمن يعقد على نهضتهم الأمل!

كان مبعث الجفاء بين أقطار العرب انقطاع الأسباب وبُعدِ الشقة؛ ثم غشيت كل سماء من سمواتها الزُّهر غمةٌ من أطماع الغرب، حجبت عن العيون الضياء، وعن النفوس الصفاء، وعن العقول المعرفة، فذهب القوم أشتاتاً يتلمس كل امرئ في الظلام طريقه! حتى إذا استيقظ في الوجدان شعور العروبة، وعاد فأشرق في الأذهان نور الدين، أبصرنا فإذا بيننا من بغى الإنسان حواجز تتقاصر عندها الخطى، وتتناكر دونها المعارف!

أزيلوا قائم الحدود، وجدوا دارس الطريق، تتلاق الوجوه وتتعارف الاخوة؛ واعملوا ما يعمل في العراق رسول الوحدة ياسين، وفي مصر أمثال الوزير محمد علي، والزعيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>