للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يغير الشعراء موسيقى الشعر ولا يقفوا عند الحد الذي رسمه الجاهليون، وعجيب أن نسمح في عصرنا للموسيقى الشرقية أن تطعم بالموسيقى الغربية ونهيئ آلاتنا للتوقيع عليها بهذه النغمات الجديدة، ونهيئ آذاننا لسماعها ثم لا نفعل ذلك في الشعر! نعم أخذ بعض الناس يتحللون من قيود البحور والقوافي الجاهلية كما فعل الأندلسيون بالموشحات وما إليها، ولكن وقف من بعدهم على اختراعهم ولم يسيروا على سننهم في التقدم. يجب أن يتحرر نوابغ الشعراء من هذه القيود ويشعروا بما يحسون ويوقعوا على النغمة التي يرتضون وليس الحكم بيننا وبينهم هو البحور الستة عشر ولكن الحكم هو الأذن الموسيقية، والأذن الموسيقية وحدها. وكما نرجع في كل فن إلى الخبيرين نستفتيهم ونحتكم إليهم فكذلك في هذا الضرب يجب أن نحتكم إلى من رقت أذنهم الموسيقية وأذواقهم الفنية وليس في هذا ضير على ثروتنا القديمة في الشعر فإنا باختراعنا بحورا وأوزاناً نزيد في ثروتنا إلى ثروتهم، كما نزيد في موسيقانا إلى موسيقاهم، وفي علمنا إلى علمهم.

أما من حيث الموضوع ومعاني الشعر فمجال القول فيه أوسع، وتقصير الشعراء فيه أبين ولئن كانت تعد الشعر ديونها تسجل فيه نزعاتها وآمالها وحياتها فأنا أخشى أن يكون الشعر العربي سجلا ناقصاً لم يدون فيه إلا وقائع قليلة من نزعات كثيرة، وصفحات ضئيلة من حياة حافلة مركبه معقدة. لقد دون الشعر كثيرا من وقائع المديح والرثاء والغزل والخمريات وما إليها وهذا حسن، وهو ضرب من الشعر لابد منه، ولكن ليس هذا كل مشاعرنا ولا أكثرها لقد مررت في هذا العام على تلاميذ مدارس ثانوية خارجين من لعب الكرة فسمعت بعضهم يصيح (يا محني ديل العصفورة، ومدرستنا هي المنصورة) فجرت من عيني دمعة على ما نحن فيه من ضعة وانحطاط وقلت أين الشعراء يضعون الأناشيد تجاري نفسية الطلبة، وترقي من مشاعرهم وتزيد في روحهم حماسة وقوة وتميز الطبقة المتعلمة من طبقة العامة وأمثالهم؟ وأتى كشّافة العراق ينشدون الأناشيد المختلفة في المناسبات المختلفة، فلم يجد كشافة مصر ما يجيبونهم به ويساجلونهم فيه إلا هراء من الكلام وسخفا من الغناء، ثم أين الشعراء يضعون أغاني للشعب وأغاني للمتعلمين تناسب حياتهم وموقفهم الاجتماعي؟ نعم تنبه بعض الشعراء لهذا ووضعوا أغاني أرقى ممن وضع من قبلهم ولكن أكثرها بكاءً وحنين وذوبان وهي من الأدب الذي سميته أدباً مائعاً، والذي لا يصح لأمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>