للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ورعه وجراءته في الحق على نفسه وغيره.

وليس أثر البيئة في تكوين بن عبد العزيز بأقل من أثر الوراثة فقد ولد بالمدينة عام ٦٢هـ وشب بها على أصح الروايات. فلما ولى أبوه مصر عام ٦٥ هـ حمل إليه، ولبث بمصر زمنا ما، نعم فيه بصحبة أبيه ومشاهدة آثار الحضارة المصرية والبيزنطية، وهنا رمحته دابة فشج شجته التي عرف من أجلها بأشج بني أمية، فلما بلغ سن التأديب بعث به أبوه إلى المدينة ليتأدب بها وينشأ نشأة إسلامية مدنية، وكانت المدينة إذ ذاك بيئة مركبة غير بسيطة، يعرف فيها من يحللها الروح الديني الصحيح ماثلا في نفر من بقايا الصحابة وكبار التابعين، أمثال أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كما يعرف فيها الجانب الأرفه من الحياة ممثلا في مثل عبد الله بن جعفر أول نصير لصناعة الغناء العربي، وطائفة من المغنين والقيان يتقدمهما معبد ومالك بن أبي السمح المغنيان المدنيان الشهيران. ثم أن المدينة كانت إذ ذاك من الناحية السياسية موطنا للمعارضة التي تستند إلى الكتاب والسنة في مقاومة الحكومة الأموية. في هذه البيئة تخرج أبن عبد العزيز، فروى الحديث عن حملته ورواته، ولقف صناعة الغناء وأعانه على المساهمة فيها صوت ندي عذب. كما أشرب روح الحكومة الإسلامية القديمة التي كانت تختلف عن الحكومة الأموية اختلافا كبيراً. إلى ذلك كله كان أبن عبد العزيز فتى مليح الخلقة ناعماً مترفاً كعادة فتيان بني أمية. يروى أنه أبطأ يوماً عن الصلاة فسأله مؤدبه صالح بن كيسان عن سبب إبطائه فقال (كانت مرجلتي تسكن شعري) فكتب مؤدبه بذلك إلى أبيه، فبعث أبوه رسولا فلم يكلمه حتى حلق شعره.

في عام ٨٥ هـ توفي عبد العزيز بن مروان بمصر، وكان أبنه عمر قد تم تأدبه بالمدينة، فأجتذبه الخليفة عبد الملك بنمروان إلى الشام وزوجه من أبنته فاطمة، ثم ولاه (خناصرة) وهي بليدة من أعمال حلب واغلة في البادية. فلبث والياً عليها سنتين كانتا من أنعم سني حياته وحياة زوجه. وقد أعجبته خناصرة حتى أنه عندما استخلف اتخذها منزلاً على عادة ملوك بني أمية في إيثارهم سكنى البادية على الحاضرة. وفي عام ٨٧هـ اختاره الخليفة الوليد بن عبد الملك لولاية المدينة بدلا من هشام بن إسماعيل المخزومي الذي أساء السيرة في أهلها، ولا شك أن الوليد إنما اختار عمر للمدينة لما يعلم من المشاكلة القوية بينه وبين

<<  <  ج:
ص:  >  >>