للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على شواطئ الآستانة]

ساعة في متحف (طوب قبو)

للأستاذ كمال إبراهيم

وقصدت إلى دار السلطان، ومنازل الخلائف من آل عثمان، وقد أصبحت بما فيها متحف الزائر، ومُجتلَى الناظر، ومطاف المتفرج، بعدما كانت تطاول السماء في رفعتها، وتُصاول العُصم في منعتها، وكانت في حمّى كبطون القلاع، ومن يحم حولها يوشك أن يقع في شراك الموت

أجل، وكانت هذه المغاني التي نطيف بها اليوم، تفيض بالنعيم، وتختال في جلال الملك، وتزدهي بأبهة السلطان، وكان الزمان قد بسم لها بسمة الإقبال، ثم أغفى عنها حيناً، ولكنها إغفاءة اليقظان، فما لبث حتى بعدها حتى اهتاجت هوائجه، وانباجت بالشر بوائجه، فأحال حالها، وأهلك أهلها، وأباد سلطانها، وتركها عبرة للمعتبر، وعظةً للناظر:

ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام

وكانت كجنة الخلد، موشيَّة الأديم، رفّافة النسيم، دانية الظلال، زهراء ناضرة، وعرائس القصر في مقاصيرهن، يصورن مباهج الحياة، وإشراق السعادة، وفتنة الوجود، فإذا ما خطرن في مطاف وشبهن، وسرن متثاقلات بحَلْيهن وحُللهن، خلت السعادة حيث كُنَّ، تقيم إذا أقمن، وترحل حيث يرحلن

من الهيف لو أن الخلاخل صُيرت ... لها وُشُحاً جالت عليها الخلاخل

مها الوحش إلا أن هاتا أوانسُ ... قنا الخط، إلا أن تلك ذوابل

وجنبات القصر موّاجة بالحشم والعبيد، والأبواب قائمة بالحجاب، والجميع ناكسة أبصارهم، عانية رقابهم، لعزة الملك، ورب الصولجان، وظل الله على الأرض. .

واليوم، واهاً لها اليوم، قد أقفرت من ذويها، وثكلت ساكنيها، وأصبحت خبراً يروى، وكتاباً يقرأ ويطوى

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

دخلت إلى تلك القصور المعروفة بـ (طوب قبو) وقد باتت متحف المتفرجين، وملهى الزائرين، يرودون الأبصار في آثار السلطنة الماضية، ويطوفون بين الأركان الباقية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>