للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متروكة لنفسها يوحشُ الناسَ منها أنها متروكة لنفسها

وعلماء الأزهر في الحقيقة هم قوانين نفسية نافذة على الشعب، وعملهم أردُّ على الناس من قوانين الحكومة، بل هم التصحيح لهذه القوانين إذا جرت الأمور على عللها وأسبابها؛ فيجب عليهم أن يحققوا وجودهم وأن يتناولوا الأمة من ناحية قلوبها وأرواحها، وأن يُعدُّوا تلاميذهم في الأزهر كما يعدون القوانين الدقيقة لا طلاباً يرتزقون بالعلم

أين صوت الأزهر وعمله في هذه الحياة المائجة بما في السطح وما في القاع. . . وأين وحي هذه القوة التي ميثاقها أن تجعل النبوة كأنها شيء واقع في الحياة المصرية لا خبرٌ تاريخي فيها.؟

لقد أصبح إيمان المسلمين كأنه عادة الإيمان لا الإيمان نفسه، ورجع الإسلام في كتبه الفقهية وكأنه أديان مختلفة متناقضة لا دين واحد. فرسالة الأزهر أن يجدد عمل النبوة في الشعب، وأن ينقي عمل التاريخ في الكتب، وأن يبطل عمل الوثنية في العادات، وأن يعطي الأمة دينها الواضح السمح الميسر وقانونها العملي الذي فيه سعادتها وقوَّتها

ولا وسيلة إلى ذلك إلا أن يكون الأزهر جريئاً في قيادة الحركة الروحية الإسلامية، جريئاً في عمله لهذه القيادة، آخذا بأسباب هذا العمل، ملحاً في طلب هذه الأسباب، مصراً على هذا الطلب. وكل هذا يكون عبثاً إن لم يكن رجال الأزهر وطلبته أمثلةً من الأمثلة القوية في الدين والخلُق والصلابة لتبدأ الحالة النفسية فيهم، فإنها إن بدأت لا تقف؛ والمثل الأعلى حاكم بطبيعته على الإنسانية، مطاعٌ بحكمه فيها، محبوبٌ بطاعتها له

والمادة المطَّهرة للدين والأخلاق لا تجدها الأمة إلا في الأزهر، فعلى الأزهر أن يثبت أن فيه تلك المادة بإظهار عملها لا بإلصاق الورقة المكتوب فيها الاسم على الزجاجة. . .

ومن ثم يكون واجب الأزهر أن يطلب الإشراف على التعليم الإسلامي في المدارس وأن يدفع الحركة الدينية دفعاً بوسائل مختلفة؛ أولها أن يحمل وزارة المعارف على إقامة فرض الصلاة في جميع مدارسها، من مدرسة حرية الفكر. . فنازلاً؛ والأمة الإسلامية كلها تشد رأي الأزهر في هذا. وإذا نحن استخرجنا التفسير العملي لهذه الآية الكريمة: (أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) دلتنا الآية بنفسها على كل تلك الوسائل، فما الحكمة هنا إلا السياسة الاجتماعية في العمل، وليست الموعظة الحسنة إلا الطريقة النفسية في

<<  <  ج:
ص:  >  >>