للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويوجد إلى جانب الدور الهام الذي تؤديه الوثائق المكتوبة في باب الحيل كتب كثيرة في الشروط عند الحنفية كما هي موجودة عند المالكية والشافعية. وجدير بالذكر أن أكثر المؤلفين لكتب الحيل من الحنفية ألفوا أيضاً في الشروط، وأنهم من جانب آخر قد اشتغلوا غالبا بالوصايا والأوقاف أيضاً بصورة تجعل من الممكن أن يستبين المرء في الكتب الحنفية على مرور القرون ميلا ظاهرا إلى البحث عن الموضوعات ذات الأهمية العملية، وتلك الأهمية العملية لكتب الشروط ناتجة عن نفس وجودها، ذلك أن الفقه لا يقبل إلا الشهادة الشفوية ولا يستلزم وثائق مكتوبة، وذلك العلم وحده لم يفلح في جعل الشروط في ذلك المركز العظيم الذي هي فيه من عمل الفقه. وترجع عادة تحرير التصرفات إلى العصر الجاهلي، فقد ظهر أن الوثائق في ذلك الزمن لم تكن محض مذكرات يستعين بها الشهود (كما هي الحال في علم الفقه) بل كانت وثائق مستقلة تنطق بمضمونها لا ريب أنها لم تزدوج بالشهادة الشفوية إلا في مرحلة ثانوية؛ وقد أقر القرآن هذه الحالة في نوع من العقود في الآية التالية: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب، وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكن رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا، ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله، ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها، وأشهدوا إذا تبايعتم، ولا يضار كاتب ولا شهيد، وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم، واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم. وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة، فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه، ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم.) وفي آية أخرى ذكر القرآن الوثائق المكتوبة في إعتاق الرقيق على أنها شيء معروف: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً.) حتى الاصطلاح الخاص بالإعتاق التعاقدي في مصطلح الفقه، وهو الكتابة، يدل على أن ذلك كان مكتوباً في الغالب على الأقل؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>