للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عقبة على شاطئ المحيط]

للدكتور عبد الوهاب عزام

- ١ -

من القوم أوغلوا في البيداء، يجوبون سيناء، قد أغذوا السير، وأقلوا المير؟

من القوم تسبح بهم الجمال، في لجج الرمال وتغوص منهم الأشباح والظلال، في غمرات الآل. تسيل بهم الهضاب إلى الوهاد وتفيض بهم الوهاد إلى الهضاب، لا يألون تأويباً وإدلاجا، ولا يشكون نصباً ولا كلالا؟

من القوم ترمي عزائمهم الغايات، وتطوي هممهم السبل، سيان عندهم البعيد والقريب، والعسير واليسير؟

من القوم تضيء بالإيمان قلوبهم، وتقر على اليقين نفوسهم، حداهم القرآن، وغناؤهم الأذان، رحالهم معابد، ومنازلهم مساجد، قد شروا الله أنفسهم، وأرخصوا في مرضاته أرواحهم، ورضوا بما قسم لهم. وقد سايروا الشمس مغربين، لا تصدهم الأهوال، ولا تستردهم الأوطان، كأنهم نجوم في حبك الأرض تسير بقدر إلى قدر؟

العرب المسلمون يقودهم عمرو، يتوجهون تلقاء مصر. رموا الباطل في جانب وسددوا إلى جانب، وصرعوه في ميدان وهرعوا إلى ميدان؛ وهدموا سلطان الروم والشام وصمدوا لسلطان الروم في مصر وأفريقية

بالأمس زحموا الصرح فانهار، ونفخوا زخرف قيصر فطار، وأشاروا إلى الصنم فسجد، وخلى جبروته إلى الأبد. وضعوا سلطان هرقل ورفعوا سلطان الله، وأقاموا الحرية في مصارع العبودية، وشادوا العدل على مقاتل الجور

واليوم يتبعون الباطل المهزوم، ويشرون الزور المذود. إنهم يؤمون مصر. ومصر أكرم على الله من أن تكون مباءة الباطل ومثوى الجبروت. إنهم يسرعون إلى مصر. فعفاء على الروم وسلطانهم، وويل للباطل يدمغه الحق، والظلم يصمد له العدل، والاستعباد تثور به الحرية، ويل للروم يسير إليهم العرب

- ٢ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>