للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

الحمى داء ودواء

للدكتور أحمد زكي. وكيل كلية العلوم

الحمى من قديم الزمان عرض مخوف وطارق مرهوب، وكثيرا ما كان رسول الموت وقائد الحي تحدو ركبه الى وادي الفناء. ولكن في هذه الأيام القريبة الماضية نشأت فكرة أخذت تحل محلا ذا بال في رؤوس البحاث من الأطباء، أو رؤوس القليل منهم الذين لا تزعجهم غرابة الخاطر، ولا يصرفهم عن الأمر خروجه عن المألوف. ومحصول هذه الفكرة أن الحمى ذلك العدو القديم للحياة قد تنقلب، أو يمكن تأليفها وقلبها الى صديق نصير، فبدل أن تكون عوناً على الداء، تصبح عوناً على الشفاء، في بعض الأمراض التي عجز عنها الطب وحار فيها الأطباء.

وحكاية هذه الفكرة بسيطة بقدر غرابتها، ومنشؤها تافه بالرغم من خطورتها، وهي في ذلك جرت على سنة جرى عليها كثير عليها من المستكشفات التي غيرت من سطح الأرض، وتحكمت في مستقبل الإنسان. ذلك أنه منذ خمسة أعوام في معامل للكهرباء كبيرة مشهورة لاحظ مديرها المستر (وتني) أن المهندسين الذين كانوا يمكثون في مجال الكهرباء الأستاتيكية لناقلات الراديو ذي الذبذبات العالية، ولو زمناً قليلاً، يحترون وترتفع فعلا درجة حرارتهم. وأذاع المدير في تقرير له هذه الحقيقة، ولكنها لم تسترع اهتمام أحد في عالم الطب. ولحسن الطالع لم يكن (وتني) طبيباً فلم يأبه لهذا الخذلان، وكان يهوى الحقيقة أنى وجدها، وكان واسع الإطلاع كثير القراءة، فذكر أنه قرأ مرة أن العالم النمسوي الأستاذ (وجنار ياوديج) شفى عدة أشخاص مجذومين مشلولين من أثر الجذام المعروف بالزهري بأن أصابهم عامداً بداء الملاريا، وذكر أن هذا الحادث أثار مناقشات حارة بين رجال الطب في أوروبا، ثارت في سبب هذا الشفاء أهو الملاريا أم ظروف عارضة لا علاقة لها؟ وانتهى النقاش الى غير خاتمة.

ذكر (وتني) ذلك، وكان جاهلاً بالطب، وذكر أن الملاريا تصحبها حرارة عالية، فتراءى له في لمحة أن الحمى التي تصحب الملاريا ربما كانت هي السبب الأول في الشفاء، ذلك أنها تطبخ ميكروب الجذام فتهلكه. وتراءى له أنه لو صح هذا لكان للحمى التي تحدثها الكهرباء

<<  <  ج:
ص:  >  >>