للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم جمع إليه بناته فخطبهن خطبة طويلة نضحها بالدمع، وصهرها بنا الفؤاد، وأودعها أحزانه وأشجانه. وذكرهن بشرائع السماء، ونواهي الآلهة، والزنى البغيض الذي يستتر في هذا الزواج القهري، لا عن نحلة، ولا عن رضى ولا سلطان مبين!. . .

وذكر لهن أمهن المتوفاة وما كان بينها وبين زوجة عمهن من إحن وبغضاء، فحرك فيهن هذا الماضي الأسود بجميع سخائمه، وأثار في قلوبهن الرطبة أشجانهن القدامى. . . حتى إذا آنس فيهن الطاعة له والائتمار بأمره. أخرج لكل منهن سكيناً مسنونة مرهفة الحدين، تقطر المنايا من أشفارها فيردها غمدها الذهبي المرصع بأغلى الجواهر واليواقيت

- (فإذا حان الحين يا فتيات، ونامت أعين الرقباء فاذكرن شقاءكن الذي لا شقاء مثله، واذكرن كيف قضت أمكن بغصة العداوة بينها وبين زوجة عمكن، ثم اذكرن أباكم هذا الشيخ الفاني المتهالك كيف ذل، وكيف وضع أنفه الأشم في الرغام. . . واذكرن أخيراً أنكن تحمين شرائع السماء من هذا الاعتداء. . . فالآلهة معكن، وستضرب بأيمانكن، وستغمد هذه الخناجر في أحشاء أعدائها بوساطتكن. . . بورك فيكن وكانت السماء في عونكن!)

- ٧ -

وأخذت ممفيس زخرفها وازّينت، وتبرجت عمائرها الفرعونية في حلل من النور والنوار وأفواف الزهر، وضفائر الورد والرياحين؛ وانطلق كهنتها يرسلون في جميع الأرجاء ألسُن الند، وفَغمة العنبر، وشذى الكافور والصندل، من مجامرهم الفضية المقدسة، واجتمعت أسراب الحسان في ساحاتها وباحاتها بسيقانهن المصرية الفرعونية يتلاعبن ويتطربن، ويتغنين ويتناشدن، ويهزأن بعرائس الماء التي خالتها قريحة هيلاس؛ وسار ربربهن يخطر في كل حنية، ويميس في كل ميدان، وينساب في كل فردوس، حتى كُن عند قصر الملك، منزل العز ومناط المجد، وفخر مصر وقلبها الخفاق، فرقصن رقصات ما كان أشبهها بنبضاته، وتغنين الأغاني كأنها تخرج من فمه، وتنبعث من جوانحه وتجلجل موسيقاها عن حناياه. . . ثم شارك الشعب في الأفراح الملكية، فعج النيل المقدس المعبود بالطوّافات والحراقات، وهرعت عند حفافيه أمة بأسرها تفرح كما يفرح الملك، وتسعد كما يسعد التاج، وتنتشي بنشوة العرسين

<<  <  ج:
ص:  >  >>