للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيب القلب لا شيب الرأس، فمن لم ينفعل لمواضع الانفعال، ولم يعجب لمواضع الإعجاب، ولم يستكره في مواضع الاستكراه، ولم ينازل في مواضع الكفاح، ولم يطرب للموسيقى الجميلة والمنظر الجميل، ولم يهتج للأحداث، ولم يأمل ولم يطمح، فهو شيخ أي شيخ، شاب قلبه، وإن كان أسود الرأس حالكه

إن أردت أن تعرف أشيخ أنت أم شاب فسائل قلبك لا رأسك، هل ينبض بالحب: حب الجمال، وحب الطبيعة، وحب الفضيلة، وحب الإنسانية، وهل ينفعل لذلك انفعالاً قوياً فيهيم ويغار ويدافع ويضحي؟ هل يتصل قلبه بالعالم فيتلقى أمواجه الأثيرية من الناس، ومن الأرض، ومن البحر، ومن الجبل، ومن السماء. ثم يلقي بأشعته - كما تلقى - على كل من حوله، فينفعل ويفعل، ويتأثر ويؤثر؛ فهو كالقمر يتلقى من الشمس ضياء وهاجا ويعكسه على الأرض نوراً وضّاء؟ هل يبادل من حوله حباً بحب، وعاطفة بعاطفة، وخيراً بخير، وأحياناً شراً بشر؟ وهل يترك العالم خيراً مما تسلمه؟ أو أن قلبه بارد كالثلج، جامد كالصخر، لا طعم له كالماء، ميت كالجماد، مغلف كالخرشوف؟

إن كان الثاني فشيخ، وإن كان الأول فشاب

قالت كبِرْتَ وشِبْتَ قُلْتُ لها ... هَذَا غُبَارُ وقَائِع الدَّهر

أحمد أمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>