للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسألة الحبشية]

بين إيطاليا وإنكلترا

بقلم باحث دبلوماسي كبير

يجزع الكثيرون من خصوم الاستعمار وأبناء الأمم المغلوبة لما أصابت إيطاليا بوسائل العنف الشائن من ظفر وتقدم في غزو الحبشة، وما أصاب الحبشة من خذلان وتضعضع في مقاومتها للمعتدين على حرياتها؛ ويجزع الكثيرون من أنصار السلام لما ينذر به ظفر إيطاليا على هذا النحو، وما تنذر به المشكلة الحبشية كلها من خطر داهم على السلام

وقد يلوح لأول وهلة أن الفريقين على حق في هذا الجزع؛ ذلك أن ما أبدته إيطاليا الفاشستية من إقدام وجرأة في انتهاك العهود والمواثيق، وما ارتكبته في سبيل مشروعها الاستعماري من ضروب السفك والعنف، وما لجأت إليه لسحق الأحباش من وسائل مجرمة مثيرة كاستعمال الغازات وغيرها، ينذر بالويل كل أمة ضعيفة لا تقوى على مقاومة الاعتداء بمثله، ويبعث اليأس في نفوس الأمم المغلوبة، لأنها ترى الاستعمار يثبت أقدامه، ويزيد جرأة وعدواناً وعنفاً؛ ولأن ما تثيره المشكلة الحبشية من خلاف بين بريطانيا العظمى وإيطاليا، وما يثيره فوز إيطاليا في شرق أفريقية من مخاوف على مصالح الإمبراطورية البريطانية ومستقبلها، ينذر بانفجار قد لا تقف عواقبه عند الخصومة الإنكليزية الإيطالية، بل قد يؤدي إلى حرب أوربية عامة ينكب العالم كله بويلاتها وعواقبها

بيد أنه يجب ألا نبالغ في تقدير الموقف بهذا المعيار القاتم، فهنالك ظروف واعتبارات كثيرة يجب تقديرها إلى جانب هذه الظواهر المزعجة. ولنبدأ ببحث الموقف في الحبشة؛ فقد تقدم الإيطاليون داخل الحبشة في الأسابيع الأخيرة، واستولوا على ولاية تجري كلها، وهي التي تقع فيها بحيرة تانا والنيل الأزرق، وتقدموا أيضاً في الجنوب، وأصابوا الجيوش الحبشية بعدة هزائم شديدة، وهم يزحفون بسرعة نحو العاصمة الحبشية، وقد تسقط في أيديهم قبل أن يظهر هذا العدد من (الرسالة)؛ وفي الأخبار الأخيرة أن النجاشي قد غادرا الحبشة مع أسرته إلى فلسطين على بارجة إنكليزية بعد أن فقد كل أمل في الدفاع والمقاومة، ولكن هل يعني ذلك كله أن قوى الحبشة الدفاعية قد أبيدت نهائياً كما يزعم الإيطاليون، وأن إيطاليا قد حققت ظفرها كاملاً شاملاً. وأنه لم يبق عليها إلا أن تملي

<<  <  ج:
ص:  >  >>