للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المبتذلة، قالت: ولكن القصة نفسها ما رأيهم فيها؟ فليست القصة ألفاظا خالصة ولا معاني خالصة، وإنما هي قوام من الألفاظ والمعاني، ولا بد من أن يستقيم لها جمال اللفظ وجمال المعنى، فهب ألفاظها رديئة عند أعلام البيان فما حكمهم في معانيها؟ قال: قرأها بعضهم لم يظهر رضى ولا سخطا، ولم يستطع بعضهم الآخر أن يقرأها فعابها لأن لغتها العامية صرفته عن قراءتها. قالت: فهذا بخل بالإنصاف وتجاوز للقصد، وقد شوقتني إلى أن أقرأ هذين الكتابين، ولكن هلا حدثتني عنهما حين كنا في القاهرة. قال ومتى حدثتك في القاهرة عما كنت أريد أن أحدثك عنه، إنما نلتقي فتمضي الأحاديث بيننا كما تريد هي لا كما نريد نحن، ولولا أني سألتك عن هذا الكتاب الذي تقرئين لما جرى بينك وبيني ذكر لتوفيق الحكيم، وهل فرغنا من الحديث عن أنفسنا لنتحدث عن هذا الأديب الجديد. قالت: كم كنت أحب أن اظفر بكتابيه لأفِرَّ إليهما منك ومن نفسي فقد يخيل إلي أنا نسرف في الحديث عن أنفسنا ونغلوا في الإعراض عن غيرنا. وقد يخيل إلي أن بين هؤلاء الكتاب الناشئين من هم أحق بعنايتك وعنايتي من هذا اللغو الذي نخوض فيه كلما التقينا. قال: وعلى ذكر كورتلين وتوفيق الحكيم، ما رأيك في هذا الكتاب الفرنسي الجديد الذي كثر الكلام فيه، واختلف فيه أدباء فرنسا كما اختلف أدباء مصر في كتاب توفيق الحكيم؟ قالت: وما ذاك أيضا؟ قال ماذا، ألم تقرئي كتاب سيلين الذي سماه سياحة في آخر الليل؟ ألم تقرئي ما كتب النقاد حول اللغة التي ألف فيها هذا الكتاب؟ قالت لا، قال وهو يضحك: معذرة فقد أنسيت أنك نائمة، وأنك من أهل الكهف. قالت: وقد رمته بكتابها مغيظة منه محنقة عليه: هبني نائمة فما لك لا توقظني وما اختلافك إلي في القاهرة، وما لزومك لي في نيس، وما مرافقتك لي في هذا القطار على كره مني. قال وقد أغرق في الضحك: إنما رافقتك في القطار يا آنسة لاوقظك، ولأخرجك من الكهف، ولأنبئك بأن في مصر شابا يقال له توفيق الحكيم كتب قصة يقال لها أهل الكهف، وأخرى يقال لها عودة الروح. وبأن في فرنسا أديبا جديدا يسمي نفسه سيلين، وقد أظهر كتابا أسماه (سياحة في آخر الليل) اختلف الناس فيه اختلافا كثيراً. قالت: فيم اختلفوا قال: في لغته فهو أيضا مسرف في حب العامية، وأنا معجب بكتابه إعجابا شديداً، مبغض للغته بغضا شديداً لأنه يتعمدها تعمداً ولا تدفعه اليها الحاجة ولا الضرورة ولا الرغبة في التصوير الصادق والتعبير الصحيح. وكل هذه الكتب

<<  <  ج:
ص:  >  >>