للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عاداتهم وأذواقهم، فهذا الذكاء وهذه المعرفة وهذا الذوق المكتمل الدقيق الأنيق في الطبقات العالية، وهذه اللغة والعادات لا يمكن أن تكون كلغة وعادات الطبقات الفقيرة قبل أن تسمو بالتربية إلى إدراك كنه هذه الأشياء الجميلة. كان للقدماء كتَّاب وفلاسفة وشعراء عبيد كابيكاتاتو واسابو وتارنسيو، ولكنهم لم يخصصوا أدبهم بالعبيد؛ وكان لهم سقراط، ولكن أفلاطون اضطر إلى شرحه لهم كما اضطر تلاميذ هذا، وهم أكثر منه معرفة إلى تفسيره. وكان لهم شيشرون ولكنه خصص معظم أدبه بأفراد أسرة السيبيون؛ ثم فرجيلوس الذي كان ينشد قصائده الرعائية في حضرة أميرات بلاط أوغسطس قيصر، ولكن الرعاة الحقيقين لم يتفهموه؛ ثم هوراسيو وقد كان ينشد الخمرة والحب المباح بقصائد من الشعر الحافل بالمعاني الملتبسة والصور المأخوذة عن اليونان والتاريخ، غير أن شعوب عصره لم تكن تنشدها وتدركها

فتقول له رينه: هذا حق يا سيدي إذا استثنينا روبنصن وحياة القدسيين فما هي الكتب التي وضعت لنا؟؟ نعم إن لدينا كتابين آخرين هم (تلماك) و (بول وفرجيني)، ولكن الأول كتب لتهذيب حفيد الملك، وهو مما لا يهمنا أمره لأننا لسنا من أحفاد الملوك، والثاني يحرك قلوب الجميع، لأنه يصف لنا جمال الحب وروعته في قلبي حبيبين رقيقين لا يستطيعان الحياة منفردين، وكيف أن مطامع أهليهما حالت دون اتحادهما واكتمال سعادتهما. إن فرجيني ابنة جنرال، وكان لها عمة نبيلة أرادت أن تجعلها سيدة راقية ممتازة فأدخلتها الدير. إنها حوادث عجيبة ومشاهدات رائعة، ولكنها حوادث لم تجر في منازلنا وبين إفرادنا، ومشاهد لم تقع عليها أبصارنا. فمن يكتب لنا الروايات والقصائد؟ لا أحد! أنا لا أدخل في عداد الكتاب والشعراء والمؤلفين، أولئك الذين يجمعون تقاويم تحمل بين ثناياها سخافات الأعوام الغابرة ونكاتها، ويضعون روايات لا تستطيع العذراء مطالعتها إلا خلسة عن أمها، وينظمون أناشيد تترفع الشفاه النقية عن التلفظ بها، ولا أستثني من هؤلاء إلا بيرانجر الذي أظهر آخرا جمال روحه في رباعياته البديعة. فمتى يكون للفقراء مكتبة؟ من يشفق علينا ويؤلف لنا كتاباً؟

أبدت رينه نظريتها تلك برزانة تفوق معارفها، وبلهجة تشفّ عن اعتقادها بفقر طبقتها الأدبي مما حمل لامرتين على الافتكار قليلا في حقيقة ملحوظاتها وأهميتها. وبعد قليل قال

<<  <  ج:
ص:  >  >>