للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد أثبت العلم الاشعاع اللاسلكي وأصبحنا نسمع الآن من الراديو أصوات الموسيقى في أوربا، وسنسمعها من أمريكا، وسنسمعها من أنحاء العالم، ومعنى هذا أن في جو مصر تموجات من أوربا وأمريكا وأنحاء العالم، وإذا كان هذا في المادة فإشعاع النفوس أبعد مدى، وأنفذ شعاعا، وأسرع سيرا. وإذا كان في حجرتي أمواج هوائية من مناحي العالم يظهرها الراديو، فان في حجرتي ملايين واكثر من الملايين من إشعاعات نفسية تشع من السماء ومن الأرض ومن النفوس البشرية، ومما لا يعلمه الا الله. وما الفكرة تصدر عني، ولا الإلهام ألهم به فلست أعرف له مصدرا وليس يخضع لقوانين المنطق ولا نظريات الاستنتاج، ولا الظواهر النفسية تتعاقب علي فلا اعرف تعليلها من انقباض وانبساط، وسمو وانحطاط، وكدورة وصفاء، وظلمة وضياء الا أثر من هذا الاشعاع

ان وراء هذا العالم المادي عالما روحانيا نفسيا أسنى وأبهى، وإذا كان للأجسام والحواس جو يحيط بها قد امتلأ أشعة من نجوم وكواكب وشموع ومصابيح، فللنفس جو يحيط بها اشتبكت فيه أشعة نفسية لا عداد لها. وإذا كان للعين أفق يختلف باختلاف النظر قصرا وطولا، فللنفوس أفق يختلف كذلك، فبعضها ينفذ إلى ما وراء الحجب ويستمد منه ما يستخرج العجب، وبعضها قصير المدى قريب المتناول. ولئن كانت قوانين الاشعاع الحسي لما يستكشف منها الا قليل، فقوانين الاشعاع النفسي أشد تعقدا وأكثر التواء غموضا، والعاكفون على دراستها، والموفقون لاستكشاف بعضها أقل وأندر. خضع كل الناس للإشعاع المادي، وخضع كل الناس للإشعاع النفسي، ولكن آمن بالأول كل الناس، وما آمن بالثاني الا قليل.

هل تنبعث من عالم النفس شرارة قوية تضيء جوانب النفوس؟ وهل يبعث العالم النفسي موجة قوية تعم العالم وتهزه هزة عنيفة فينتبه من سباته، ويهب علماؤه لتنظيم الحياة الروحية كما نظموا الحياة المادية، ويتخصص علماء النفس لاستكشاف قوانين الاشعاع النفسي كما استكشف الماديون قوانين الاشعاع الحسي، ثم ينتفعون وينفعون الناس كما انتفعوا بقوانين الضوء وما اليه، وإذ ذاك يكون الناس أسعد حالا وأهدأ بالا وأكثر اطمئنانا؟ من يدري!!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>