للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة المفاتيح

للقصصي الروسي مكسيم جوركي

(هذه القصة تكشف عن شخصية هذا الكاتب العظيم، وتؤرخ

فترة قاسية من حياته، فضلا على أنها تصور حياة طائفة من

الناس أغفل كثير من أدباء الغرب تصويرها)

كان ثلاثتنا: (زيومكا كارجوزا) و (أنا) و (ميشكا) عمالقة بلحى طويلة وعيون واسعة لها زرقة الماء، نبتسم دائماً بثغور فرحة، ويخيل لمن يرانا أننا نترنح من الخمر أبدا. وكنا نأوي إلى بناء قديم خارج المدينة، يكاد من فرط قدمه أن ينقض، ولا يعرف غير الله لم سمي بمصنع الزجاج، ولعل ذلك لعدم وجود لوح زجاجي سليم به. وكنا نتقبل أي شيء دون أن يكون لنا شيء من الخيار، وكنا نكنس ساحات البيوت وننظف الغبار، وننبش المقابر وأكوام القمامة، ونهدم البيوت القديمة، ونقطع الأسوار. وقد حاولنا مرة أن نبني زريبة للعمالقة، إلا أننا فشلنا في ذلك. وكان زيومكا يسعى دائماً للقيام بواجبه، ويتشكك في معرفتنا ببناء زريبة للعمالقة. ولهذا فقد أحظر بنفسه ظهر يوم وكنا في غفوة كل المسامير وقطعتين من الخشب ومنشارا، وكان ذلك كله لصاحب عمل كنا نعمل عنده، وقد طردنا من أجل تلك الفعلة. ولما كنا لا نملك شيئاً يمكن سلبه منا لم يطالبنا بتعويض عن الأضرار التي لحقته بسببنا؛ وكنا في كفاف من العيش؛ وكنا غير راضين بما قسم لنا - وهو أمر طبيعي في مثل هذه الحالة، وتطور هذا الشعور بفعل الزمن فأصبح كراهية لكل ما يحيط بنا. وجرنا ذلك إلى أعمال تهديدية توقعنا تحت طائلة قانون العقوبات. والواقع إننا عشنا في ألم. غير مبالين بالحياة، مرغمين على البحث عن عمل وليس لنا من مظهر الحياة المادي سوى تجاوب ضعيف.

وكنا قد تقابلنا في ملجأ لمن لا مأوى لهم قبل أربعة عشر يوماً من الحادث الذي سأقصه عليك لأنه شائق في نظري؛ وصرنا بعد يومين أو ثلاثة من تعارفنا أصدقاء نسير معاً إلى كل مكان، ويفضي كل منا لصاحبيه بأمله وأغراضه. ويشاطر بعضنا بعضاً كل شيء؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>